عقوبات المخالفين للحجر الصحي، مجدية أم مجحفة؟
October 3, 2020 0

غرامات مالية، سجن وإشهار للأسماء…هل كل هذه العقوبات مجدية أم مجحفة بحق مخالفي إجراءات العزل الصحي؟

غرامات مالية، سجن وإشهار بالأسماء، هذه بعض العقوبات المتمثلة لمخالفي الحجر أو العزل الصحي للمسافرين القادمين من الخارج أو حتى المخالطين للمصابين بفايروس كوفيد 19.
يأتي الحجر الصحي أحد أهم خيارات الدول للتقليل من تفشي الأمراض المعدية، فتاريخيًا تمَّ التعامل مع أكثر الأمراض خطورة بعزل المناطق التي تعاني من المرض، لتنقطع سلسلة العدوى وبالتالي إنقاذ المزيد من الأرواح. كما صرّح تشونغ نانشان مسؤول اللجنة الوطنية للصحة في الصين؛ عن أن الحجر الصحي يعتبر الطريقة الأكثر فعالية لوقف الفيروس ليصبح عشرات الملايين من الصينيين في أكبر حظر شهدته البشرية بداية الأزمة.[1]

ويأتي القانون في كثير من الدول بنصوص واضحة للعقوبة المفروضة على من يخالف العزل الصحي المفروض من قِبل الجهات المعنية، إلا أن سؤالًا مهمًا تمَّ طرحه سابقًا من قِبل البعض ليظهر مجددًا الآن أثناء انتشار جائحة كورونا وهو عن أخلاقية العزل كخيار للدولة؛ وعن مدى جدوى معاقبة مواطني الدول بغرامات تصل إلى 1000 دولار كحدٍ أقصى وسجن لمدة لا تزيد عن عام أو كلا العقوبتين حسب القانون الأمريكي – على سبيل المثال -.[2]

وخاصة أن العديد من الدول الآن تسعى للتعامل مع آلاف الانتهاكات الحاصلة فعلًا والمحتملة لقواعد الحجر الصحي، ومطالبات مسؤولي الصحة باتخاذ المزيد من الإجراءات اللازمة لضمان التزام الأشخاص العائدين من الخارج بقوانين الحجر، خاصة مع زيادة متوقعة للحالات في أكثر من بلد ومنها المملكة المتحدة بعد تحذيرات بدخول البلاد مرحلة ثانية من تفشي المرض. [3]

وبالعودة للتخوفات الأخلاقية للحجر الصحي وتحديدًا مع التحديثات الأخيرة حول العالم ومحاولات التعايش مع الفيروس والعودة للحياة الطبيعية:

هل تعتبر العقوبات المطروحة لمخالفة الحجر الصحي مجدية أم مجحفة؟

قبل الشروع في الحجج التي تدافع بشكل رئيس عن وجود عقوبات صارمة لهؤلاء المخالفين لابد أن نلفت الأنظار على أن مؤيد هذه العقوبات يجدُ أن من حق الدول فرض الحجر الصحي على مواطنيها، كونها ترى هذه العقوبات رادعًا أساسيًا للحدِ من المشكلة، كما يرى المؤيد  أن العقوبات مجدية للوصول لنتيجة أفضل للمجتمع الذي نعيشه. وللإجابة عن السؤال سنوضح تاليًا تبرير العقوبة أخلاقيًا وما إذا كان حلًا فعّالًا.

الحجج الموالية لفرض مثل هذه العقوبات على المخالفين

حفظ الأرواح أهم مبرر أخلاقي لفرض العقوبات

تعتبر العقوبات المفروضة من الدولة تصبُّ في الصالح العام للمواطنين، إذ أن الحق الأخلاقي للدولة في فرض الحجر الصحي بداية جاء من عدة جوانب حسب اقتراح روس أبشور حول المبادئ القياسية للحالات التي تكون فيها تدابير الحجر الصحي ضرورة ومبررة:

– وجود ضرر واضح وقابل للزيادة والانتشار بالعدوى بين الناس في حال لم يتم ردعه، فلا يمكن تبرير تقييد حرية الأفراد إلا إذا تمَّ الإثبات أن حريتهم ستلحق الأذى بالآخرين.

– مراعاة مبدأ التناسب أو أقل الوسائل التي يمكن أن تُعيق أو تقيّد الأفراد بما يتناسب مع هدف تحقيق السيطرة على المرض، ويأتي هذا الأمر بدراسة القرار قبل أن يتم تنفيذه.

– مبدأ المعاملة بالمثل، والذي يلزم الأفراد بالانصياع للقانون مقابل تأمين الدولة الاحتياجات الأساسية للفرد وتأمين الحماية له.

– مبدأ الشفافية والذي ينصُّ على أن سلطات الصحة العامة ملزمة بتوضيح المبررات للأفعال والعقوبات والتجديد أو الاستئناف فيها، بالإضافة لإشراك جميع أصحاب المصلحة المتأثرين بإجراءات الصحة العامة في عملية صنع القرار على أن تكون واضحة.

نجد في حالة استيفاء الدولة للشروط السابقة أعلاه فإن المبرر الأخلاقي للحجر الصحي واضح ومبرر، وتأتي على أعقابه تبرير العقوبات المفروضة على من يخالف الحجر لأي سبب من الأسباب، فالإيمان بضرورة هذا القرار يبرر قيام السلطات بالعقاب في حالِ لم يلتزم أفراد المجتمع بتنفيذه. وبالتالي تأتي ضرورة الصرامة في وضع العقوبات لضمان عدم انتقال المرض، خاصة بعد إثبات الضرر الذي يسببه كوفيد 19 على المجتمعات، بعد فقد العديد من الأرواح جراء انتشار العدوى في المجتمعات وبالتالي فإن العقوبة هنا تقع على عاتق المخالفين الغير مدركين للضرر من جراء خروجهم وبالتالي تحملهم الخطأ على المحاولة لنشر الوباء أكثر بين الأفراد وتسببهم بضرر عام للمجتمع.

فعالية العقاب لتجاوز الأزمة

مما لاشك فيه أن الدولة تفرض العقوبات لما تراه متناسبًا مع الأحداث والتطورات الحالية، فمن المسؤولية لدى أفراد المجتمع خاصة مع العودة للمدارس والأعمال ومحاولة العودة للحياة الطبيعية زيادة الحرص والتشديد من قِبل الدول مع من يزيدون من صعوبة الموقف، فالعقوبات مهما كانت صارمة هي خطوة مهمة للحصول على نتائج مرضية وتجاوز الأزمة بأقل الخسائر خاصة أن أكثر الدول التي عملت على وضع قوانين صارمة وحدثّت في قائمة العقوبات لديها كانت نتائجها في حصرِ المرض أقل بكثير من ذي قبل. قالت كاثرين نوكس ، أستاذة الهندسة البيئية في جامعة ليدز وعضو المجموعة الاستشارية العلمية لحالات الطوارئ (Sage): “نحن في مرحلة يوجد فيها خطر يتمثل في زيادة انتقال فيروس كوفيد مرة أخرى، الانتقال يعتمد على مقدار الاتصال بين الناس، ومع عودة المدارس والجامعات والعديد من الأشخاص الذين يعودون إلى العمل، من المرجح أن يزداد مستوى التفاعلات في المجتمعات.” وعليه قاموا بالتعامل مع آلاف الخارجين عن القانون بخصوص الحجر الصحي.

وكما أعلنت حكومة مدينة سيبو، الفلبين أنها تأمل في خفض عدد الإصابات بفيروس كورونا باستمرارها تنفيذ قوانين أكثر صرامة جراء المخالفين، فقد فرضت غرامات صارمة تصل إلى 1500 جنيه استرليني لمنتهكي بروتوكولات الحجر الصحي في المدينة، وإمكانية سجن المخالفين لمدة تصل 30 يومًا مع اختلاف الانتهاك الذي يقوم به الفرد منذ منتصف شهر أغسطس الماضي، وأعلنت الحكومة أن مع استمرار القيود والحجر العام وتنفيذ العقوبات فإن العدد اليومي لحالات الإصابة بفيروس كورونا تحسن كثيراً عن ذي قبل، وتدعم الحكومة القرارات الصارمة للعقوبات للحفاظ على تسجيل أقل نسبة من المرضى في الفترة القادمة.

بالانتقال لمن يعارض العقوبات المفروضة على مخالفي الحجر الصحي فإن المبدأ الرئيس يكون بدعم الحريات الشخصية لدى الأفراد وبعدم أحقية الدولة استغلال الظروف لما يتوافق مع مصالحها، وبإثبات أن العقوبات ليست الحلَّ الأمثل وأنها غير فعالة للوصول إلى نتيجة مرضية بالضرورة، وللإجابة عن السؤال سنوضح تاليًا أن العقوبة لن تؤدي لحلِ الأزمة وبأنها تزيد الأمر سوءً على المجتمعات.

الحجج المعارضة لفرض عقوبات صارمة على المخالفين

العقوبة ليست الحل الأمثل

يعدُّ الحجر الصحي حلًا من الحلول المطروحة لتجاوز الأزمة، لكنها ليست الوحيدة، وليست الأمثل بالضرورة، وبالتالي بإثبات أن الحجر الصحي حلًا لن يؤدي للنتيحة بصورة جيدة تأتي العقوبات مجحفة على الأفراد. فالعديد من أعضاء البرلمان البريطاني في مجلس العموم أثاروا مخاوفًا حقيقة بشأن نهج الحكومة في الحجر الصحي، فأعربوا على أن سياسة العقوبات التي تمَّ فرضها قُدمت بعد فوات الأوان وبأن الحكومة تبالغ في ردِّ فعلها لأنها تحاول تجنب موجة جديدة للفيروس، بالإضافة لأنهم عبّروا عن رغبتهم في تقديم اقتراحات أكثر فعالية إذ أن مستوى تحقق الحكومة من إلتزام الأفراد بالحجر يصل لأقل من 1% بالتالي القرارات غير فعالة وما زال المرض في انتشار.


رغم أن طرق انتقال أغلب الأمراض المعدية معروفة لدى الرعاية الصحية؛ من استخدام ال الإستراتيجيات القائمة على السكان وتتبع المخالطين للمرضى والعزل الصحي  كما حدث في مرض السل سابقًا؛ إلا أن ثمة ظروف تهدد السكان، وهناك تكمن الحاجة لوضع إستراتيجيات أشمل وأوسع للصحة العامة في الدول. فالحجر الصحي يعتبر عنصراً واحداً من عناصر مكافحة الأمراض المعدية، والذي لم تستخدمه جميع الدول في أزمة كوفيد 19، والذي يُرجح أن لا تكون الوسيلة الفعالة الوحيدة للسيطرة على انتشار المرض.

جدية العقوبات في وقف انتشار المرض

يمكن الاعتبار أن العقوبات على مخالفي الحجر الصحي مجحفة في حال تمَّ إثبات أن الوضع سيزداد سوءً ويأتي ذلك من جوانب عدة، منها قرارات التخفيف المفاجئة التي شهدت دول أوروبا لأسباب عودة الحياة والتأقلم مع المرض، وتأتي هذه القرارت بعد الخسائر الكبيرة لشركات الطيران والقطاعات الأخرى من السياحة والتصدير والتصنيع..
فقد أعلن قطاع السفر انتقادات واسعة بشأن قواعد الحجر الصحي التي تفرضها الحكومة، محذراً من أن فترة العزل الذاتي سوف تؤثر على قرارات الزائرين وتشكل خطراً على الوظائف. ورفعت بعض شركات الطيران دعاوى قضائية تسير في مراحلها الأولى ضد الحكومة البريطانية. وانضم قطاع التصنيع إلى منتقدي هذه الإجراءات، مرجحًا أن قلة عدد الرحلات الجوية سوف يحدُّ من حركة الصادرات والواردات، وهو الأمر الذي من شأنه إحداث أثراً سلبياً على قطاع الشحن.


فنجد هنا أن الدول التي تسعى جديًا للعقاب بهدف تقليل تفشي المرض، قد تُغير رأيها نتيجة لضغوطات تهدد اقتصادها، وهو الأمر الذي يجعل من العقوبات أمر تعسفي أمام وجود حلٍّ حقيقي لتجاوز الأزمة وحصر أعداد المصابين ويجعل الدول أمام البحث عن حلول أكثر فعالية.

ويأتي استغلال الدول للتحكم في قوانين الحجر لبعض التعاملات الانحيازية وسوء المعاملة التي لا تؤدي للحدِّ من انتشار فايروس كورونا، فإذا كانت العقوبات وُضعت للمخالفين ممن انتهك حظر التجول، تأتي بعض السلطات للتعامل مع المخالفين بطرق مخالفة للحقوق ولا تعمل لصالح الحد من انتشار المرض، مما يجعل العقوبات مجحفة في حقِ الأفراد وزيادة الشكوك حول جدية القرارات الصادرة بشأن التعامل مع فيروس كوفيد 19.

فقد أعلنت هيومن رايتس ووتش وثيقة حقوقية شهر مارس الماضي، تحث فيها السلطات على حماية المخالفين، وذلك بعد ما قامت السلطات الفلبينية  بحجز مئات المخالفين للحجر الصحي في زنزانات  صغيرة مما يزيد من انتشار وانتقال الفيروس بينهم.

وبهذا الشأن تمَّ إلغاء الحجر الصحي المفروض على مواطن صيني من قِبل المحكمة الفيدرالية في الولايات المتحدة لأنه كان بدافع عنصري وغير مناسب لوقف تفشي المرض عام 1900 أثناء تفشي مرض الطاعون الدبلي، فأوضحت بعدها مراكز السيطرة على الأمراض بالولايات المتحدة أن الأشخاص الذين يتأثر حقهم بأمر الحجر الصحي لهم الحق في طلب مراجعة قضائية ورفض العقوبات المفروضة عليهم.
 ومن هنا تفتح العقوبات مسلكًا لتجاوز الحكومة على الأفراد وتناسي الهدف الرئيس من وضع مثل تلك القوانين التي من شأنها أن تتغير تبعًا للظروف والضغوطات التي تواجهها الدول وإثبات أنها قد فشلت نسبيًا بزيادة الأوضاع سوءً.


بقلم: نادية درويش – مدربة مناظرات في مركز مناظرات قطر

المصادر:

  1. https://www.aljazeera.net/news/cultureandart/2020/1/28/%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%AC%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%AD%D9%8A-%D9%88%D8%B9%D8%B2%D9%84-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%B6%D9%89-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%B2%D8%B1-%D8%AA%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%AE
  2. https://www.law.cornell.edu/uscode/text/42/271
  3. https://www.theguardian.com/world/2020/sep/04/uk-police-deal-with-thousands-of-potential-covid-19-quarantine-breakers
  4. https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC7405927/#CR23
  5. https://www.theguardian.com/world/2020/sep/04/uk-police-deal-with-thousands-of-potential-covid-19-quarantine-breakers
  6. https://rappler.com/nation/fines-jail-time-quarantine-violators-august-16-2020
  7. https://www.bbc.com/news/uk-52907229
  8. https://journalofethics.ama-assn.org/article/ethics-quarantine/2003-11
  9. https://www.bbc.com/arabic/world-53117356
  10. https://www.hrw.org/news/2020/03/26/philippines-curfew-violators-abused
  11. https://www.thehindu.com/opinion/lead/quarantine-and-the-law/article31241185.ece
كلمات مفتاحية:

اترك تعليقا

This website uses cookies to ensure you get the best experience on our website. | Privacy Policy