Info
AR اللغة AR
Side Menu

كأس العالم لكرة القدم 2022: قطر بعيون العالم

هناك العديد من الأسباب التي تجعل دولة ما ترغب في استضافة حدث رياضي ضخم، سواء كان ذلك من خلال تعزيز الاقتصاد المحلي عبر الترويج للسياحة (كما فعلت الولايات المتحدة مع كأس العالم 1994)، أو بناء العلاقات سعيا وراء فرص تجارية دولية (كما فعلت الصين مع أولمبياد بكين)، أو إعادة بناء هويتها الوطنية (كما فعلت جنوب أفريقيا مع كأس العالم 2010). أما في حالة قطر فتتمثل الأهداف المعلنة في تعزيز التفاهم بين الثقافات وخلق إرث من الاحتفاء بالمجتمع العالمي وعدم الإقصاء والاستدامة [1]. لا يخفى على أحد ما تعرضت له منطقة الشرق الأوسط لكثير من التنميط السلبي والصحافة السيئة، والآن تمتلك قطر منصة لتحدي المفاهيم الخاطئة واستعادة سرد هويتها باعتبارها أول دولة عربية مسلمة تستضيف مثل هذا الحدث الكبير.

بناء الهوية

  تتأثر الطريقة التي ننظر بها إلى أنفسنا بعوامل داخلية وخارجية، حيث أننا مطلعون على تجاربنا الخاصة ومن خلال ذلك نصنع سردا للذات، كما أننا ننتبه إلى الطريقة التي يصورنا بها الآخرون، وعندما تكون هاتان النسختان من الصور مختلفتان، فإن ذلك يؤدي إلى صراع داخلي، وهذا هو السبب في أن التمثيل غير الدقيق يستحضر مشاعر الإساءة، حيث يشعر المرء بأنه غير مرئي وفي نفس الوقت يُنظر إليه بشكل سلبي. غالبا ما تفترض وسائل الإعلام العالمية نظرة غربية من منظور أوروبي بحت، وبالتالي تتوهم صورة نمطية للثقافات الأخرى أو تتجاهل جوانب مهمة منها[2]، وفي عالم يزداد عولمة يوماً بعد يوم، يتعرض المنتمون إلى ثقافات الأقلية باستمرار لرسوم كاريكاتورية لتقاليدهم وأعرافهم، فيكون على الأقليات إما أن تتشرب التحيز ضدها وتزداد استياء من جذورها وتتخلى عنها لكي تتلاءم وتتوافق مع السياق العالمي؛ وإما أن ترفض هذا التحيز وتقدم تجاربها الخاصة لمواجهة الصور النمطية السائدة.

وبالنظر إلى اختلال التوازن في رأس المال الاجتماعي، فإن هذا الأخير غالبا ما يأتي على حساب شخصي كبير، فعندما يدافع الجمهور السائد عن رواياتهم، غالبا ما يجد أفراد الأقلية أنفسهم على الطرف المتلقي للانتقادات اللاذعة المتعصبة، مع عدم وجود ضمان لتغيير السردية.

تغيير التصورات

الفعاليات الكبرى مثل كأس العالم دائما ما تشغل مساحة في الوعي العالمي، ومن المتوقع أن تستقبل قطر ما بين 1.2 و1.7 مليون زائر [3] طوال فترة البطولة، ومن خلال تجاربهم في الدوحة، ستشكل سردية جديدة يأخذونها معهم إلى ديارهم.  وليس هذا كل شيء، فالتغيير الأكبر سكون عبر “تأثير العرض” [4]، من خلال الحضور الرقمي للدولة المستضيفة لكأس العالم. وفي هذا العصر الرقمي، ستهيمن قطر على الشاشات، ليس فقط على شاشات التلفزيون ووسائل الإعلام الإخبارية التقليدية، ولكن على منصات التواصل الاجتماعي وبتفصيل كبير، حيث يوثق الزوار كل شيء وصولا إلى المواقف اليومية التي تمر أثناء إقامتهم، من التبادلات التي يجرونها مع موظفي المترو وسائقي الأجرة، إلى التجارب التي يشاركونها مع أفراد الأمن والسكان المحليين. ومن خلال انتشار هذه الروايات عن دولة قطر، ستُحفر في الذاكرة الجماعية للمجتمع، وهذا يسمح للمنتمين إلى ثقافات الأقلية أن يواجهوا الصور النمطية السلبية. سيكون من الصعب الإدعاء بأن الدولة رجعية أو غير متسامحة إذا كان هناك أرشيف رقمي يشير إلى خلاف ذلك. ولا يزال من الصعب الوقوف إلى جانب مثل هذه الادعاءات، إذا كان أولئك الذين ينتمون إلى الأغلبية يتحدثون عن تجاربهم الخاصة التي تتعارض مع الادعاءات المتحيزة التي يصورها إعلام الغرب.

ومن ناحية أخرى، فإن هذا المستوى من الدعاية قد يلقي الضوء أيضا على أي عيوب في الدولة، فآلة الإعلام العالمي، سعيا وراء احتكار الخبر، لن تتوقف عن إثارة القصص وإرضاء التصورات المسبقة الراسخة. في هذا الصدد، فإن تأثير العرض هو سيف ذو حدين، حيث يمكن إساءة تفسير الأمور أو إخراجها من سياقها لغرض نشر المعلومات المغلوطة بواسطة خوارزميات منصات التواصل الاجتماعي، ومن المرجح أن يتصدر سوء التعامل أو سوء الإدارة من قبل دولة مضيفة عناوين الصحف بسرعة وربما يقوض نجاحاتها.  

كيف يمكن للهوية أن تشكل أمة

 

إن خلق إرث دائم للبلاد يمكن أن يكون له تأثير طويل المدى على السياحة الدولية والشرعية الجيوسياسية، وسيؤثر بالتأكيد على كيفية رؤية البلاد لنفسها، وأولئك الذين شهدوا عملية التحول مباشرة غالبا ما يحصدون أكثر بكثير من مجرد الفخر الوطني، بل أيضا من الشعور المتجدد بالخيال العام، والثقة في رؤية البلد، والاستعداد لوضع الخلافات جانبا للتضافر من أجل تلك الرؤية. هذا الشعور (بالإضافة إلى التحفيز الاقتصادي وزيادة الأمن) هو أحد العوامل التي قد تفسر الانخفاض قصير الأجل في الجريمة والتخريب الذي شهدته جوهانسبرغ في الفترة التي سبقت كأس العالم 2010 وبعدها [5].

إما أن تكون القوانين والعادات انعكاساً للهوية المتصورة ذاتيا للمجتمع، أو قناة لإجراء تعديلات عليها. ومن خلال استلزام إجراء تعديلات هيكلية لاستيعاب الأحداث الضخمة، فإن استضافة كأس العالم تنطبق على هذه الأخيرة. إن نمو الأمة يعتمد على آلام النمو: فالتحول في النموذج سيخلق بلا شك تغييرا، وبعض المقاومة للتغيير أمر لا مفر منه. عندما تتكامل أهداف أمة ما بشكل جيد مع هويتها والهوية المذكورة بدورها يتردد صداها بقوة لدى شعبها، فإن أولئك الذين يطلب منهم حل وسط، من المرجح أن يكونوا على استعداد لتحقيقها، ويرون هذه المقايضات كاستثمارات من أجل غد أفضل. وكلما زاد عدد الأشخاص الذين يؤمنون ويرون أنفسهم في مثل أعلى معين، كلما كانوا أكثر انخراطا واستثمارا في لعب دورهم، وإحداث تغيير حيث قد يكون التشريع والإنفاذ قاصرين.

وعلى الصعيد الخارجي، تعد استضافة كأس العالم إسقاطا للنفوذ الدولي من خلال القوة الناعمة [6]، وإشارة إلى العالم بأنه يمكن الوثوق ببلد ما لتولي هذه المسؤولية الكبيرة، حيث يكتسب هذا البلد المصداقية، ويرفع من مكانته في أعين العالم. بالإضافة إلى ذلك، فإن حدثا عالميا كهذا يولد فرصا للتعاون الدولي، لا سيما بين الشركاء الإقليميين، مما يوسع ويوطد مجال نفوذ الدولة، ويتراكم هذا في المكاسب التي تتجاوز الحدث نفسه، مثل نقل التكنولوجيا الخضراء، والتعاون الأمني، وبطبيعة الحال الشراكات الدبلوماسية. والأهم من ذلك، عندما تكون دولة ما هي الأولى في منطقتها التي تستضيفها، فإنها تثبت موقفها عبر إنتاج فوائد جماعية لنفسها ولجيرانها، تبدد الفكرة القائلة بأن التقدم يجب أن يكون دائما منافسة محصلتها صفر. وبالتالي، فإن هذا السرد يمهد الطريق لعلاقات أكثر إنتاجية قريبة وبعيدة.

في نهاية المطاف، ينتظر الدولة المستضيفة اختبار أكبر فور إطلاق صافرة النهاية. إن كأس العالم، إذا تم الاستفادة منه بشكل جيد، يمكن أن يكون نعمة لمسار الأمة. لدى معظم الدول المستضيفة طموحات كبيرة لما سيأتي بعد ذلك، وقطر، برؤيتها الوطنية 2030 [7]، ليست استثناءً لذلك.

بقلم:

أماندا تشان

مدربة مناظرات في مركز مناظرات قطر

المراجع:
  1. 1. https://www.linkedin.com/company/supreme-committee-for-delivery-&-legacy/about/
  2. 2. https://www.racetoacure.org/post/the-importance-of-representation-in-media
  3. 3. https://www.fitchsolutions.com/country-risk/fifa-world-cup-will-boost-qatars-tourism-investment-and-security-ambitions-28-10-2022
  4. 4. Hede, Anne-Marie (2006) الأحداث الضخمة وتأثيرالعرض“: التحقيق في التأثير المعتدل للتعرض للبث التلفزيوني للألعاب الأولمبية لعام 2004 والاهتمام بالحركة الأولمبيةمنظور أسترالي. مجلة السياحة الدولية، 10 (4). ص 241-255. ردمك 1544-2721
  5. 5. “القضايا الاجتماعية لكأس العالم في أفريقيا!”، كتبه رمزي الخليل (2013)، صفحات سياسة كرة القدم، مدونة سياسة كرة القدم، جامعة ديوك، http://sites.duke.edu/wcwp (تمت الزيارة في 30 أكتوبر/تشرين الأول 2022).
  6. 6. “”تكلفة الكأس: دراسة حالة حول الآثار السياسية والاقتصادية لاستضافة الأحداث الرياضية الضخمة” كتبه Avdellas, George J. (2019), CUREJ: College Undergraduate Research Electronic Journal, University of Pennsylvania, https://repository.upenn.edu/curej/222 (تم الاطلاع في 30 أكتوبر 2022).
  7. 7. https://www.gco.gov.qa/en/about-qatar/national-vision2030/