حظر كلي أم حظر جزئي؟
May 16, 2020 0

كيف يجب على الدول النامية التعامل مع جائحة كورونا؟

 

اختلفت ردة الفعل التي اتخذتها الحكومات رداً على جائحة فايروس كورونا، فبين الحظر الكلي الذي فرضته جنوب أفريقيا، وبين إبقاء جزءٍ كبيرٍمن الحياة الطبيعية على ما هي عليه، اختلفت طرق التعامل ونتائجها في بقية العالم.

 تشكل الدول النامية الحلقة الأضعف في هذه الأزمة، حيث أنها من المستحيل أن تتحمل الأعباء المترتبة على الحظر الكلي، التي قد تصل إلى الانهيار الاقتصادي الكامل للبلاد، خصوصاً الدول الغارقة بالديون. وما يزيد معاناة هذه الدول أيضاً، هو أن العديد منها يواجه عوائق أخرى، فالبعض منها يعاني من  صراعات داخلية كجمهورية الكونغو الديمقراطية، والبعض الآخر يحاول أن يتأقلم مع الكوارث الطبيعية التي تسبب دماراً كبيراً للبلاد كدولة تانزانيا التي تعرضت لفيضان ضخم)

السؤال الذي يطرح نفسه هنا، هل تستطيع جميع الدول أن تقوم بتطبيق قوانين موحدة؟

هل كان ينبغي على الدول النامية عدم فرض حظر كلي، والاستعاضة عنه بحظر جزئي فقط؟

الموالاة:

إلى الآن إنه غير واضح ما إذا كان الحظر الكلي هو الحل الأكثر أماناً

  1. التبعات الاقتصادية التي ستنجم عن الحظر الكلي أكبر من أن يمكن توقعها أو التعايش معها، لذا فإن الحذو وراء التجربة الفيتنامية الناجحة التي اعتمدت على تحديد بؤر الفايروس التي انتشر فيها، وإغلاقها إلى حين الشفاء، مع استمرار الحياة في بقية مناطق الدولة  ومن الممكن أن يكون حلاً يُمكننا من تفادي هذه الأزمة، مع الأخذ بعين الاعتبار بأن معظم الشعب يعتمد على المدخول اليومي له لكي يطعم نفسه وعائلته، وإلزامهم بالبقاء في المنزل سيؤدي إلى تجويعهم.

    إن الدعم الحكومي واللاحكومي أيضاً، لن يكونا ذا جدوى لأن أكثر من نصف شعوب الدول النامية تعيش تحت خط الفقر، لا أحد يستطيع أن يعيش وهو يشعربالجوع، ويجب علينا أن نجعل الشعوب تعيش بكرامة، حتى لو استدعى ذلك مواجهة بعض المخاطر.

  2. دعونا لا ننسى ولهذا اللحظة بأننا لا نستطيع التأكيد على أن الحظر الكلي هو الحلُّ الأكثر أمناً في المقام الأول. الحظر الكلي يعني أن العمال سيصبحون بلا عمل ويعودون إلى قراهم الريفية ولن يُعد بمقدورهم  العيش في المدينة بدون مدخولٍ يومي، مما سيؤدي إلى انتشار الفايروس في مختلف أنحاء الدولة.
    حتى قيود السفر التي ستفرضها الحكومة، لن تمنع هؤلاء العمال الذين تملكهم اليأس من العودة إلى قراهم، وذلك اتضح لنا جلياً في الهند، حيث رأينا عدداً كبيراً من العمال الذين قاموا بالمشي لمئات الأميال لكي يعودوا إلى قراهم.


    بالإضافة إلى ذلك، فإن الغالبية العظمى من الشعب لا تستطيع أن تبقى في المنزل، فشعورهم بالجوع سيدفعهم للخروج بهدف السعي عن مدخولٍ فوري يُمكنهم من البقاء على قيد الحياة، العديد منهم لا يملك حتى مياه نظيفة في بيته، لذلك فإنه من الطبيعي أن يقوم بمخالفة قوانين الحظر وسلك طرق غير قانونية وغير شرعية للحصول على المال وإطعام من يعول، مما سيساعد على انتشار الفايروس بطرقٍ أسرع وأشمل.أخذاً بعين الاعتبار بأنهم يعيشون في أماكن مزدحمة جداً، لذا فإن منع هؤلاء العمال من العمل من الممكن أن لا يكون هو الحلُّ الأمثل للحفاظ على صحتهم.

المعارضة:

احتواء هذه الأزمة بأسرع وقت ممكن هو أمر مصيري للوصول إلى استقرار اقتصادي

  1. سلامة الدولة والمواطنين تعتبر أهمية قصوى، وعلى القطاع الحكومي والخاص أيضاً أن يقوم بمدِّ  يد العون وإغاثة المواطنين الذين يعانون جراء تبعات هذه الأزمة، ولكن الاستمرار في العمل عملية خطيرة جداً بالنظر إلى أماكن العمل المزدحمة أيضاً في الدول النامية. الحظر الكلي هو الحل الأمثل لمنع انتشار هذا الفايروس، حيث أنه يتضمن قوانين تمنع السفر وتجبر الشعب على البقاء في البيوت وانتظار المعونات في حال كانوا بحاجة لها، بدل الذهاب إلى الخارج وتعريض الجميع للخطر.

    أماكن العمل في الدول النامية تميل للازدحام، لذا فإنه من المهم تقليل التجمعات بأكبر قدر ممكن. إذا ما أخذنا بعين الاعتبار قلة الموارد في هذه الدول أيضاً، فإن عمليات الفحص التي ستطبقها الدولة لن تكون سريعة ودقيقة بشكلٍ كافٍ لتحديد المناطق الموبوئة قبل أن يصبح الوضع متأزماً. لذا فإن الحظر الكلي هو الحل الأمثل في هذه الحالة.


  2. احتواء هذه الأزمة بأسرع وقت ممكن هو أمر مصيري للوصول إلى استقرار اقتصادي على المدى الطويل، وهناك حلول يمكن اللجوء لها لمعالجة المشاكل الناتجة عن هذا الحظر الكلي في وقتٍ سريع، حيث أن صندوق النقد الدولي موجود وعلى استعداد لإقراض هذه الدول بعض الأموال لاحتواء هذه الأزمة.
    بالإضافة إلى أن العديد من السياسيين كرئيس الوزراء الباكستاني عمران خان قد تحدثوا عن إمكانية  إسقاط الديون عن هذه الدول النامية وذلك لكي تستطيع أن تتخطى هذه الأزمة الإنسانية.

    علاوة على ما ذكر مسبقاً، فإنه إذا لم يتمّ فرض حظر كلي بشكل سريع لاحتواء المرض، ستكون الدول النامية في موقف لا تُحسد عليه جراء التبعات الاقتصادية المدمرة التي ستضربها بشكل مدمر جداً ومؤذٍ.
    إذا فشلت حكومات هذه الدول بالسيطرة على المناطق الموبوئة بشكل سريع واحتواء الوباء قبل تفشيه في بقاع الدولة بشكل هائل، فإن المستشفيات لن تكون قادرة على تحمل الكارثة التي ستحصل بكل بساطة، وهذا يعني أن الضررالكبير الذي سيصيب هذه الدول جراء تفشي الوباء سيظل ملازماً لها لمدة طويلة. أرواح الناس، والفقر المدقع ، سيكون هو الثمن الذي ستدفعه هذه الدول في حال لم تقم بفرض حظر كلي وبشكل فوري.
    التعايش مع المعاناة الناجمة عن الحظر الكلي الآن ومحاولة التغلب عليها، أفضل بكثير من الانتظار والوصول لمعاناة كبيرة جداً ومستمرة قد لا نستطيع التغلب عليها.

بقلم: موبرت واسي – مدرب مناظرات في مركز مناظرات قطر

This website uses cookies to ensure you get the best experience on our website. | Privacy Policy