هل سياسة مناعة القطيع هي الحل؟
May 28, 2020 0

كيف يمكننا مواجهة أضرار أزمة كورونا؟
إلى متى سنبقى محظورين؟

مع تفشي فيروس كورونا المستّجد المسبب لمرض كوفيد 19 في العالم، لجأت أغلب الدول إلى فرض إجراءات صارمة للتعاطي مع هذا الوباء تمثلت في إعلان حالة طوارئ و حجر صحي شامل. لكن دول أخرى راهنت على المناعة الجماعية من خلال تطبيق سياسة مختلفة و تبني تدابير أكثر مرونة بهدف الوصول إلى ما يسمّى ب “مناعة القطيع” التي تقوم على السماح للناس بالتفاعل في ما بينهم و ارتياد الأماكن العامة من دون تعطيل للحركة الاجتماعية و الاقتصادية مع التعويل على وعي الشعوب في التعامل بحذر مع الفيروس، و الهدف هو أنه عند إصابة أكبر عدد ممكن من الناس بمرض كورونا فإن معظهم سيمتثلون للشفاء و يتعافوا حتى يكتسبوا مناعة ذاتيّة على نحو تلقائي. فتقل بذلك فرص انتشار الفيروس و ينحصر تدريجياً و تنتهي الأزمة.

ومع ما يشهده العالم من تداعيات سلبية تتيجة لسياسة الانغلاق و الحجر الشامل خاصة على المستوى الاقتصادي و مع غياب وجود لقاح لهذا الفيروس و وسط توقعات بأن يكون جاهزاً في أواخر العام الجاري أو مطلع العام المقبل، و مع توقع تدفق موجة أخرى من الإصابات بهذا الوباء نطرح السؤال التالي وطرح هذه الإستراتيجية التي أاثارت جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية و الطبية.

هل سيتجه العالم اليوم إلى إعتماد سياسة مناعة القطيع لمجابهة أضرار أزمة كورونا؟

الحجج المؤيدة:

حتى لو اثبتت سياسة الانغلاق نجاعتها في الحد من انتشار الفيروس فإنها لم تنجح إلى يومنا هذا من القضاء عليه أو انحساره

سياسة مناعة القطيع هي الحل الأمثل لمواجهة هذه الأزمة

في ظل غياب وجود لقاح إلى يومنا هذا و مع توقع صدوره في مطلع السنة المقبلة بات من المستحيل عملياً الحديث عن مواصلة البلدان انتهاج سياسة الحجر الصحي الشامل وأضحت فكرة تقبل هذا الوباء و التأقلم معه أمراً ضرورياً لا بل أولوياً ، فحتى لو اثبتت سياسة الانغلاق نجاعتها في الحد من انتشار الفيروس فإنها لم تنجح إلى يومنا هذا من القضاء عليه أو انحساره، فعلماء الأوبئة و الأمراض المعدية يؤكدون أن الفيروس سيتواصل في الانتشار و في التطور و أنه مع عدم التوصل لوجود لقاح له فإنه لن يتوقف عن إصابة الناس و لن تنتهي هذه الأزمة. في حين يتوقع العلماء من جهة أخرى أن معظم الناس في كامل أرجاء العالم سيصابون في نهاية المطاف بالفيروس ما لم يتم تطوير لقاح – الأمر الذي سيتغرق الكثير من الوقت – و في هذه المرحلة تكون انتهاج سياسة مناعة القطيع من الآثار الإيجابية المحتملة الوقوع فتسعى هذه السياسة إلى تقبل فكرة وجود الفيروس و التعايش و التأقلم معه لا بل فكرة السماح له بالانتشار و إصابة مجموعة كبيرة من السكان من ثم تكوين مناعة جماعية قادرة على كسرة شوكة الفيروس و الحد من انتشاره و خفض نسبة الوفيات التي لن تكون إلا في جانب المسنين، في حين سيتمكن الشبان و أصحاب المناعة القوية من تجاوز المرض و التعافي منه ببساطة و حتى من دون أعراض و ستتكون لهم بالتالي مناعة ضده ستقيهم من موجة أخرى محتملة للفيروس خاصة لو أصبح الفيروس موسمياً أو متوطناً، فاكتساب مناعة جماعية ضده ستساهم بشكل كبير في القضاء عليه إلى حين صدور لقاح.

لعل النموذج السويدي خير مثال عن نجاح سياسة مناعة القطيع فالسويد انتهجت طريقاً مختلفاً عن بقية دول العالم و لم تذهب إلى فكرة الإنغلاق و عولت على تفهم ووعي شعبها في التعامل مع الفيروس و تكاد تسجل اليوم أقل نسبة اصابات و وفيات في أوروبا على عكس ايطاليا و فرنسا و ألمانيا الذين مازال عدد الاصابات فيهم مرتفع رغم إعلان حالة طوارئ منذ أشهر.

إنقاذ الحالة الاقتصادية

الأمر الذي سبب لهم و لغيرهم من الدول الذي انتهجت هذه الإستراتيجية في كارثة اقتصادية، وهو ما يقوودنا إلى الحجة الثانية ألا وهي أن سياسة مناعة القطيع هي الحل اليوم لانقاذ العجلة الاقتصادية بعد حالة التدهور الاقتصادي الذي يعيشه العالم اليوم جراء سياسة الحجر الشامل .

إذ أن إعلان حالة الانغلاق و إغلاق المحلات التجارية و الأسواق العامة لمدة طويلة و على المدى البعيد سيؤدي حتماً إلى شلل في الحركة الاقتصادية و من ثم الاجتماعية إذ أن أناس كثيرون سيجدون أنفسهم بدون مورد رزق و ضحايا للبطالة، فنسبة كبيرة من القطاعات لا تحتمل العمل عن بعد و تفترض الخروج للأسواق و التنقل في الأماكن العامة، كما أن المبادرات الحكومية و المساعدات التي تقدمها الدولة لا يمكن أن تدوم طويلاً إذ أنها ستثقل كاهل الدولة حتى لو كانت قوية فما بالنا بالدول النامية و الفقيرة التي يقف اقتصادها على العمل الحر و على التنقل و الاختلاط.
إذا استمر هذا الوضع و استمر الحجر و الانغلاق سيؤدي إلى انتحار للاقتصاد العالمي، الخروج من هذا الوضع و تبني سياسة مناعة القطيع مع تعزيز الرعاية الصحية و التركيز على الاستثمار أكثر في القطاع الصحي لاستيعاب عدد الاصابات بات أمراً أولوياً و ضرورياً.

الحجج المعارضة:

سياسة مناعة القطيع هي سياسة غير إنسانية وغير أخلاقية

سياسة مناعة القطيع ليست الحل

من جهة اخرى يرى معارضو سياسة مناعة القطيع أنها ليست الحل لمجابهة أضرار أزمة كورونا بل إنها علاوة على كونها سياسة غير إنسانية و غير أخلاقية فهي ستزيد الوضع سوءاً و ستصل بالعالم إلى وضع كارثي على مستويات عدة.
هذه السياسة تضحي بكبار السن و أصحاب المناعة الضعيفة من أجل وهْم مساعدة الاقتصاد و هو أمر لا يستقيم إنسانياً و أخلاقياً، إذ أنه حتى تنتشر مناعة القطيع سيكون الفيروس قد أصاب الملايين و قتل الآلاف.
و من ناحية أخرى فإن هذه السياسة تفترض أن الاشخاص الذين يصابون بفيروس كورونا ثم يتعافون منه يصبحون محصنين ضد المرض لكن هذا الأمر مازال محل تشكيك من قبل الباحثين لأن عدد ممن تماثلوا للشفاء شخصت لديهم الإصابة مجدداً، هذه الفكرة تعني ببساطة البقاء للأقوى أو بالأحرى صاحب المناعة الأقوى و الأصغر سناً على حساب كبار السن و الضعفاء الذين سيكون الفيروس قد فتك بالآلاف لا بالملايين منهم.
السويد التي تقدم اليوم كنموذج مثالي لمجابهة فيروس كورونا من خلال مناعة القطيع اعترفت أنها ضحت بمسنيها و أنها فشلت في حماية كبار السن الذين كانوا الأكثر تضرراً من انتشار الفيروس.

المحافظة على المنظومة الصحية

في المقابل كلما ازداد عدد المصابين حتى من كبار السن سيزداد عدد الضحايا بين الأطباء و العاملين في القطاع الطبي خصوصاً مع نقص الموارد و أدوات الوقاية الشخصية، مما سيؤدي إلى انهيار المنظومة الصحية إذ أن الخبراء يؤكدون أنه لتصل دولة إلى مرحلة مناعة القطيع فهذا يعني أن يصاب أكثر من ستين بالمئة من أفرادها، الأمر الذي سيؤدي إلى ضغط على المنظومة الصحة وقد لا تحتمله دول قوية فما بالك بالدول النامية.
الأمر الذي يقودنا إلى الحجة الموالية و هو أن فكرة الحفاظ على النشاط الاقتصادي من خلال تبني سياسة مناعة القطيع هو وهم و لن يزيد الوضع إلا سوءاً فلن تعود الحياة الاقتصادية إلى طبيعتها خاصة بعد عيش تجربة الحجر الصحي و المطالبة بالانتقال لمناعة جماعية، الشعوب سوف تكون في حالة تحمس كبير للعودة للحياة بشكل طبيعي و قد تصل الاصابات إلى الملايين في حالة غياب الوعي خصوصاً في الدول ذات الامكانيات الاقتصادية المحدودة فمن سيتطيع مزاولة عمله كل يوم مستيقظاً على مئات أو آلاف الوفيات؟

ناهيك أن كل الدول التي خففت من إجراءات الحجر الشامل – و لا نقول هنا اتباع سياسة مناعة القطيع – تراجعت عن هذا التخفيف و طالبت بالعودة للحجر و إعلان حالة طوارئ نظراً لارتفاع حالات الوفيات، الأمر الذي سيعيدنا إلى نقطة البداية و لكن هذه المرة مع موجة مصابين أكبر و وفيات أكثر و ضغط على القطاع الطبي أكبر و استنزاف للموارد الاقتصادية في سبيل المرافق الصحية، بالتالي فكرة انتعاش الاقتصاد و اعتباره أولية على حساب الصحة ما هو إلا كابوس لن يوقظنا منه إلا خبر صناعة اللقاح.


بقلم: عبير المجروح – سفيرة مركز مناظرات قطر من تونس

 

اترك تعليقا

This website uses cookies to ensure you get the best experience on our website. | Privacy Policy