Info
AR اللغة AR
Side Menu

واحة الحوار – حلقة 1

يطلق مركز مناظرات قطر “واحة الحوار” ليوفر بيئة بنّاءة للحوار وتبادل الأفكار والأطروحات، تسعى لبناء نسق تفاعلي إيجابي قائم على اكتشاف الآخر واحترامه، وذلك عبر حلقة فعّالة تضم خبراء ومختصين وأصحاب كتابات بحثيّة أو تحليليّة، بالإضافة لشباب متناظرين لهم آراء وتصورات واهتمام في القضايا موضع الحوار.

مجالات الحوار في الواحة متعددة ومتنوعة تتناول أبرز ما تفكّر به المجتمعات ونخبها وما تعيشه من قضايا وأحداث على كافّة الصعد، كما أن الواحة تتّبع أسلوب الحوار التبادلي النشط بعيداً عن احتكار منصّة الحديث أو مصدر الطرح لجهة أو طرف.

كما تهدف واحة الحوار لإثراء فضاء الأفكار واختبار الآراء والاطلاع على عقل الآخر عبر تفاعل إنساني راقي، وبلورة توصيات واستنتاجات تدفع عجلة التفكير والتطور للأمام، على قاعدة المشتركات الكبرى من قبول واحترام.

حوار هادف   —   مستقبلٌ طَموح

كلمات افتتاحية


السيدة مشاعل النعيمي

رئيس تنمية المجتمع في مؤسسة قطر

واحة الحوار منصة لرفع مستوى الوعي والفكروالحوار وإبراز الاختلاف على أنه واقع نعترف بوجوده، لأنها توفر مساحة وسطى للرأي بعيداً عن الحديّة والتصنيف، من خلال إعداد عقول شبابية تواجه التحديات المستقبلية وتفهم ما حولها.

واليوم نرى ضرورة التركيز على توفير لغة مشتركة للتواصل بين الخبراء والشباب بعيداً عن القاعات الدراسية، لغة تنتج معرفة على أرض الواقع في بيئة ملائمة للطرح وهذا ما لمسته في واحة الحوار التي قدمت محركات النقاش النابض بالحيوية والفائدة، لاسيما قضية الأزمة الخليجية وتبعاتها،

أشعر بالسعادة لأننا في مؤسسة قطر تواكب متطلبات الشباب بتقديم تقنيات تكسبهم مهنية في الحوار وفتح نوافذ تخرج المجتمع من خندق التحجر للرأي إلى واحة الفكر الناقد البناء.

alt

الدكتورة حياة معرفي

المدير التنفيذي لمركز مناظرات قطر

واحة الحوار مطلب مجتمعي من المركز وآن الأوان لتدشينه، وفي نسختها الأولى تُعدُّ ورشة عمل استهدفت فئات المجتمع بشرائحه المختلفة، كما أنها فرصة تدريبية للأكاديمي كي يصل للشاب والمجتمع في جو غير أكاديمي حر مفتوح.

وأرى أنها بوصلة لتحويل الحوار نحو الشباب المتناظرين الذين تعلموا فنون المناظرة ونقل هذه المهارات الحوارية المكتسبة إلى إدارة النقاشات وإدارة الاختلاف وكيفية تقديم الأسئلة بآليات تفاعلية حول القضايا الأساسية، من خلال اللقاء مع أعلام الفكر والبحث والإبداع  يتطور لديهم أسلوب الحوار التبادلي النشط لكسب أوسع الفئات الشبابية والعمل على استدامة منصة الحديث بهدف ابتكار الحلول وتشارك الأفكار وربط العالم الافتراضي بالواقع.

من خلال واحة الحوار يمكننا قياس الأدوات التي نستخدمها ومدى فاعليتها للواحة بشكل عام، لذا نسعى جاهدين على إثراء الحوار واختبار الأفكار بتحديث المعايير الفكرية والأخلاقية بهدف تنامي الآليات والأساليب التي تُدار مع الكوادر الكفوءة، ونحرص من خلال دعم المؤسسة الأم مؤسسة قطر على تأسيس نموذجاً جديداً لإدارة مثل هذه الحوارات التي تناقش قضايا تهم المجتمعات الإنسانية، ومن المهم أيضاً امتلاك مكتبة غنية بالأطروحات والتوصيات تُشكل لاحقاً مراجع ومصادر تعليمية هامة.

alt

تشارك الأفكار   —   أهداف سامية

مدير الحوار، ومقدمة الجلسة


العـنود الكواري

مقدمة الجلسة

في عالم یملؤه الضوضاء والتجمد الفكري، على المستوى السیاسي والاجتماعي، أصبح من الصعب على الفرد الإثراء برأیه ومناقشة الأفكار التي تخالف معتقداته، حتى مع انتشار منصات التواصل الاجتماعي التي حاولت إلى حدٍ ما خلق جسور بین الثقافات المختلفة، إلا أنه قد امتد إلیها خطاب الكراهیة والاتهام والتصنیف والاستقطاب.

في هذا الإطار ولدت فكرة واحة الحوار، ففي هذه الصحراء القاحلة التي فرضت القیود على مرتاديها تأتي الواحة كملاذ من هذه المشقات، وتسمح للأفراد بالانسیاب بالأفكار في فضاء بنّاء ومریح لا یفرض على سكانها التنافس الحاد ولا یسمح لفكرة واحدة بأن تهیمن وتسیطر وتقود عقول المتحدثین، كما لا يسمح باحتكار مصدر الخطاب.

هدفنا من الواحة الجمع بین صناع القرارات والمفكرین والشباب الذين یقع على كاهلهم عبء تلك القرارات في إطار یسمح لهم بمناقشة كل ما هو حي ومهم في عصرنا الحالي بدون التصغیر أو رفض الفرد الأخر، وبعیًدا عن التصنیفات المقیدة والتي عادة ما تهدم فرص التواصل بین الأفراد.

كما ستكون هذه المنصة مرجع أكادیمي لكل باحث ومهتم في القضایا المطروحة، وتكون مكتبة ثریة بالمعلومات والأطروحات التي تحاكي الواقع.

alt

عبــدالرحمن المري

مدير الحوار

بات الحديث عن الخليج، يمثل حديثًا عقلانيًّا قلقًا في جانبٍ كبيرٍ من جوانبه: يفتّش في الأسئلة، يستنطق المجهول، يقاربُ القضايا، يبحث عن أجوبةٍ مقنعة، لا يستريح لها عقل الإنسان وحسب، إنما أيضًا لتهدّى من رَوَعِه وتمسح على قلبه.

ولئن كان الليل يحاصر الفرد الخليجي من كل جانب، مواطنًا ومقيمًا؛ فإنه لا يزال يرنو إلى أفقٍ مضيء، وغَدٍ مشرق!، ولنا أن نتساءل في هذا المقام: لو كان للخليج أن يحدَّثَ عن نفسه فما الذي سيقول؟، ربما لا نملك أمر هذا السؤال، ولكن نستطيع بلا شك أن نستقرأ دلالاتُه، وأن نستبصرَ الندوبُ التي تملأ وجهه! يأتي ذلك على عكس ما تمنّى الشاعر حينما قال:

"خليج ما وشوش المحار في أذني ... إلا سمعتك صوتًا دافئ الخدر

أعيذ وجهك أن تغزو ملامحه ... رغم العواصف إلا بسمة الظفر"

فهل ستعود للخليج ابتسامته؟

alt

ابتكار الحلول   —   تنوع

التعريف بالضيوف


  • د. عبدالله باعبود
  • د. محجوب الزويري
  • د. فيصل أبوصليب
DCS (47)

د. عبدالله باعبود

الدكتوراه في الاقتصاد السياسي الدولي من جامعة كامبريدج

حصل على الدكتوراه في الاقتصاد السياسي الدولي من جامعة كامبريدج.

كما حصل على الماجستير في إدارة الأعمال وماجستير في العلاقات الدولية.

تركز اهتماماته البحثية على العلاقات الدولية، والاقتصاد السياسي الدولي، وخاصة الشأن الخليجي والتطورات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في هذه الدول، بالإضافة إلى علاقاتها الخارجية.

عمل في مجال التدريس والبحوث في عدة جامعات ومؤسسات في أوروبا، ولديه العديد من المنشورات من كتب ومقالات وأوراق بحثية في مجال تخصصه.

عمل مديراً لمركز دراسات الخليج بكلية الآداب والعلوم بجامعة قطر، ومديرًا لبرنامج دراسات الخليج في الكلية.

DCS (64)

د. محجوب الزويري

أستاذ تاريخ إيران والشرق الأوسط المعاصر في جامعة قطر

أستاذ تاريخ إيران والشرق الأوسط المعاصر في جامعة قطر.

خبيرًا متخصصًا في قضايا إيران والشرق الأوسط في مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية، كما عمل رئيسًا لوحدة الدراسات الإيرانية في نفس المركز، وقد حصل على درجة الدكتوراه في تاريخ إيران الحديث من جامعة طهران.

و عمل زميلًا باحثًا، ثمّ مديرًا لمركز الدراسات الإيرانية في معهد الدراسات الإسلامية والشرق أوسطية في جامعة درم، بريطانيا.

تتركز مجالاته البحثية في الكتابة عن إيران وقضايا الشرق الأوسط باللغات العربية والإنجليزية والفارسية، كما ساهم بمقالات عديدة في المجلات الأكاديمية الدولية.

DCS (79)

د. فيصل أبوصليب

أستاذ مشارك في قسم العلوم السياسية بكلية العلوم الاجتماعية في جامعة الكويت

أستاذ مشارك في قسم العلوم السياسية بكلية العلوم الاجتماعية في جامعة الكويت.

شغل منصب رئيس وحدة الدراسات بالكلية نفسها بين عامي 2010-2014. حصل على الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة مانشستر، والماجستير في العلوم السياسية من جامعة كاليفورنيا ريفر سايد.

عضو الجمعية الأميركية للعلوم السياسية، وعضو الجمعية البريطانية للدراسات الدولية.

حصل على جائزة الدولة التشجيعية في العلوم السياسية خلال العام 2015.

تغطي اهتماماته البحثية العلاقات الدولية والسياسة الخارجية لدول المنطقة والشأن الأميركي.

تشارك الأفكار   —   تنوع

ملخص الأوراق النقاشية


  • د. محجوب الزويري
  • د. فيصل أبوصليب
  • د. عبدالله باعبود

أستاذ تاريخ إيران والشرق الأوسط المعاصر في جامعة قطر

د. محجوب الزويري

في الآونة الأخيرة، تزايد الاهتمام بالحديث عن أمن الخليج وموقعه ودوره في النظام الدولي العالمي بشكل واضح، هذا بالإضافة إلى تنامي وتزايد الدراسات والأبحاث المتعلقة بأمن منطقة الخليج العربي. ولعل أهم ما يثير الاهتمام في هذه الدراسات بأنها قادمة من خارج هذه المنطقة وتعكس بشكل أساسي تصور وفهم الآخرين من خارج المنطقة عن المنطقة نفسها فيما يتعلق بنظامها الأمني، أي أن ما يروى ويكتب عن أمن هذه المنطقة ناتجاً بالأساس عن طبيعة العلاقة بين دول المنطقة والمملكة المتحدة بداية ثم تليها الولايات المتحدة، بمعنى أخر أن ما يكتب عن النظام الأمني للخليج العربي يكتب بناء على تصورات هذه الجهات الخارجية عما يحدث في المنطقة وأمنها. ولعلّ قيام غالبية هذه الدراسات بالتوقف عند دور هذا العامل الخارجي وتصوراته عن النظام الأمني للمنطقة ناتج بالأساس عن الدور المحوري الذي تلعبه المنطقة وأهميتها في مجال توفير مصادر الطاقة المختلفة من نفط وغاز للعديد من دول العالم المتقدم. هذا يأتي بالإضافة إلى ما تملكه وتحويه المنطقة من إمكانات هامة أبرزها الإشراف على مضيق هرمز والذي يمثل أحد أهم نوافذ النفط والغاز لدول العالم، ومن هذا المنطلق تظهر الأهمية السياسية للمنطقة بالنسبة للقوى العالمية.

       إن أهمية منطقة الخليج العربي الاقتصادية والسياسية جعلت منها محط أنظار واهتمام وأطماع الدول الكبرى في العالم على مدى العقود الماضية، كما أن هذا الاهتمام عمل على خلط ومزج الشؤون المحلية والإقليمية للمنطقة بالشؤون العالمية، الأمر الذي ساهم في جعل حالة التوتر والتذبذب الأمني مسيطراً على المنطقة منذ عقود من الزمن، وهو الأمر ذاته الذي أدى ومازال يؤدي إلى استنزاف الإمكانات والموارد الاقتصادية والسياسية والاجتماعية في المنطقة بشكل عام. وما تجدر الإشارة إليه هنا عند الحديث عن النظام الأمني الخليجي بأن ما يقصد به بشكل أساسي هو منظومة الأمن للدول الخليجية المندرجة تحت مظلة دول مجلس التعاون الخليجي بالإضافة إلى الجغرافيا السياسية المحيطة بها والتي تضم بشكل أساسي كل من العراق واليمن وإيران، إذ لا يمكن تجاهل ما يحدث في الدول المحيطة بالمنطقة وعدم الاكتراث إليه وتجاهل أمنها وذلك يعود بشكل أساسي إلى مدى القرب والالتصاق الجغرافي لهذه الدول ببعضها البعض، فأي توتر أو حدث سياسي في أحد هذه الدول قد ينعكس على الدول المجاورة. وهذا يفسر سبب انعكاس الأحداث والحروب الحاصلة في اليمن والعراق وإيران على العواصم الخليجية مباشرة وبعمق. كما يجب فهم التحولات الحاصلة في مفهوم النظام الأمني بناءً على طبيعة المرحلة التي تعيشها الدول والتي تندرج تحت ثلاثة مراحل أساسية، المرحلة الأولى وهي مرحلة تأسيس الدولة وهي المرحلة التي عني بها العالم الخارجي واهتم بها. أما المرحلة الثانية فهي مرحلة بناء الدولة، وفي هذه المرحلة يأتي دور استقرار الدول كعامل مؤثر على أمنها. المرحلة الأخيرة تتمثل في التحولات التي تعيشها الدول وهي المرحلة التي تشهدها المنطقة في هذه الآونة.

أبرز التحديات التي تواجه النظام الأمني الخليجي:

       شهدت منطقة الخليج العربي خلال الثلاثة عقود الماضية العديد من التهديدات والتحديات والتي ما زالت قائمة وفي حالة تطور وتوسع حتى هذه الأيام، والتي لعبت دوراً هاماً في وقوع المنطقة في حالة من عدم الاستقرار السياسي طيلة هذه الفترة. لعل أحد أهم هذه التحديات يتعلق بعدم القدرة على تحديد مصدر التهديد والقدرة على تمييز العدو من الحليف، بمعنى آخر عدم القدرة على تحديد مصدر التهديد فيما إذا كان من الخارج أم من الدول الإقليمية أم دول غير إقليمية. ولعل السبب الرئيس الذي يقف وراء إثارة هذه النقطة يتمثل في ثلاثة محاور أساسية أولها الاجتياح العراقي للكويت عام 1990 والذي شكل مفاجئة سياسية في المنطقة إثر قيام دولة عربية باجتياح جارتها. المحور الثاني يتمثل في قيام مجموعة دول عربية بمحاصرة دولة عربية شقيقة عام 2017. أما المحور الثالث والأخير فيتمثل في أحداث غير مرويّة بشكلها التام كمحاولات بعض الدول العربية التأثير على الانقلاب على الأنظمة في دول أخرى. فقد أصبح من الصعب تحديد مصدر التهديد والخطر على هذه الدول فيما إن كان من داخل هذه الدول نفسها أم من “إسرائيل” أم الولايات المتحدة أم غيرها. ومازال هذه التهديد يواجه صناع القرار في دول الخليج حتى هذه الأيام.

       أما التحدي الثاني الذي يواجه منطقة الخليج العربي فيكمن في الاستقرار السياسي للمنطقة وما يجاورها والتي يمكن توضيحها من خلال النظر للأحداث السياسية والتطورات المتتالية في المنطقة. فبداية شكلت الأفكار القومية العربية تهديداً على أمن هذه الدول، ثم تلتها الثورة الإسلامية والتي أنتجت تهديدا مرتبطاً ارتباطاً مباشراً بالمشهد السياسي الداخلي لمنطقة الخليج العربي. علاوة على ذلك، فإن الحرب العراقية الإيرانية والاجتياح العراقي للكويت وما حدث مؤخراً من انهيار للأنظمة السياسية العربية والتي كانت بدايتها انهيار النظام في العراق عام 2003 وما تلاه من أحداث الربيع العربي والذي مازال قائما حتى الآن. جميع هذه الأحداث السياسية أثرت على عملية الاستقرار السياسي لدول الخليج العربية على مدار العقود الماضية بشكل كبير. كما يمكن التعبير عن هذا الجانب بحالة من الفوضى تعيشها وتشهدها الأنظمة الإقليمية والعالمية على حدٍ سواء. وما تجدر الإشارة إليه هنا أن تكاليف مواجهة هذه التحديات باهظة جداً وتمس الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فعلى سبيل المثال تكلفة الحرب العراقية الإيرانية تقدر بحوالي 350 مليار دولار ومليون قتيل وحوالي نصف المليون إصابة أخرى. أما تحرير الكويت من الاجتياح العراقي فقدرت تكاليفه بحوالي 60 مليار دولار، فماذا لو تم استخدام هذه الأموال في مشاريع تنموية في هذه البلدان بدلاً من إنفاقها على الحروب والنزاعات.

       بات يشكل ظهور الفاعلين غير الحكوميين أو غير الدوليين في المنطقة وهم لاعبين جدد كالميليشيات المسلحة عاملاً هاماً في التأثير على الاستقرار الأمني. وعادة ما تكون هذه الجماعات تمثل أذرع لدول معينة وتابعة لها يتم استخدامها لتحقيق اهداف معينة، كقوات الحشد الشعبي في العراق مثلا وحزب الله في لبنان وغيرهم. إلا أن هذه الجماعات في بعض الأحيان باتت تشكل تهديداً أمنياً على الدول التابعة لها وعلى دول المنطقة بشكل عام. أما التحدي الرابع فيتمثل في القدرة على تحقيق الانسجام الداخلي والمحافظة عليه في ظل التغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المتسارعة التي يشهدها العالم، كالمحافظة على الهوية الوطنية على سبيل المثال في ظل الانفتاح على العالم وغيرها الكثير من الأمثلة كالانفتاح التكنولوجي والتطور المعرفي وكيفية التعامل مع السيولة الحاصلة في المعلومات وأمنها. وأخيراً، تعتبر تغيرات النظام الدولي أحد التحديات التي تواجه النظام الأمني لمنطقة الخليج العربي، حيث كما ذكر مسبقا فإن تعريف النظام الأمني الخليجي مرتبطاٌ ارتباطاً مباشراً بالخارج ولا يقتصر على الداخل، فعلى مدى الخمسين أو الستين عاما الماضية كان أمن الخليج العربي مرتبطاً ارتباطاً مباشراً مع الولايات المتحدة الامريكية ومازال مرتبطاً إلى الآن. فتراجع مكانة بعض الدول الكبرى في المنطقة حديثا ترك أثراً واضحاً على أمن الخليج العربي. وعند الحديث عن التهديدات والتحديات التي تواجه منطقة الخليج تجدر الإشارة إلى أن معظم الأدبيات التي تناولت هذا الموضوع توصلت إلى أن استخدام السلاح لوحده لتوفير نظام أمني هو غير كافٍ ولا يوفر الحماية، فيجب الحرص على توفير إدارة جيدة وفعالة للأزمات مثلاً أو استخدام خطاب سياسي مختلف وجديد ومحاولة إعادة فهم الدول المجاورة.

 

الخلاصة:

       في الخاتمة تجدر الإشارة إلى أهمية الاهتمام بالأمن الداخلي بدول الخليج العربي ودور الدولة في الحفاظ على الأمن من الداخل وذلك من أجل المضي قدماً لتحقيق الأمن الإقليمي بالمنطقة. كما تجدر الإشارة بأن الدولة بدورها في توفير الأمن من الداخل قد تقيم تحالفات من الخارج كمظلات أمنية تساعدها في القيام بدورها. إضافة إلى ذلك تعد فكرة استقرار الدولة شرطاً أساسياً عند الحديث عن توفير نظام أمني خليجي، إذ لا يمكن توفير هذا النظام الأمني دون استقرار الدول. علاوة على ذلك فإن هناك حاجة ماسة جداً لتوفير نظام أمن خليجي جماعي يوفر على الأقل الحد الأدنى من الأمن للجميع الأمر الذي قد يخفف من حدة التوتر الأمني والسياسي في المنطقة.

أستاذ مشارك في قسم العلوم السياسية بكلية العلوم الاجتماعية في جامعة الكويت

د. محجوب الزويري

تعتبر منطقة الخليج العربي من أكثر المناطق التي تتميز بأهمية إستراتيجية في العالم، ليس فقط لثروتها النفطية الهائلة، ولكن أيضاً لموقعها الجيوسياسي المهم. حيث أن موقعها يتيح لها ميزة الربط الإستراتيجي بين الشرق والغرب. وكانت هذه المنطقة طوال تاريخها محطاً لأطماع القوى الدولية في العالم. وعلى سبيل المثال نذكر التنافس التاريخي البريطاني الألماني الروسي العثماني حول مدِّ نفوذها إلى هذه المنطقة.، ومشاريع الربط المواصلاتي مثل مشروع خط برلين بغداد أو مشروع كبنيست. وهذه المنطقة قريبة جغرافياً من حدود روسيا، وطالما سعت روسيا في العهدين القيصري والبلشفي للوصول إلى المياه الدافئة في الخليج. وخلال الحرب الباردة سعى الاتحاد السوفييتي إلى إيجاد موطئ قدم له في هذه المنطقة. وكانت منطقة الخليج إحدى ساحات الصراع الإستراتيجي بين القطبين الأمريكي والسوفييتي خلال فترة الحرب الباردة.

وبعد ترسيم الحدود واستقلال دول الخليج العربية برزت مشكلة أخرى أعتقد بأنها تعتبر من بين العوامل الرئيسية وراء ظهور الخلافات بين دول الخليج العربية، وهي مشكلة الحدود والتفاوت الواضح في المساحة الجغرافية بين الدول المكونة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، أو ما يمكن تسميته ب “الاختلال الجيوسياسي الداخلي”. حيث أنه منذ تأسيس هذا المجلس كان واضحاً بأنه ظهر طغيان جغرافي لدولة واحدة هي المملكة العربية السعودية التي تشكل مساحتها أكثر من 80% من مساحة دول المجلس. وهذا الأمر له تبعاته السياسية، حيث سعت السعودية، على اعتبار بأنها دولة مترامية الأطراف في مقابل الدول الصغيرة أو Microstates على ساحل الخليج العربي مثل الكويت والبحرين وقطر، إلى قيادة هذه المنظومة لما تملكه من مؤهلات كقوة إقليمية رئيسية، وفي ظل تنافسها مع قوى إقليمية أخرى في المنطقة. وفي بعض الأحيان، اصطدمت هذه السياسة السعودية مع سياسات الدول الأخرى في هذه المنظومة، ونتج عن هذا الأمر أزمات متكررة بين هذه الدول كان آخرها وأكثرها تأثيراً الأزمة الخليجية الراهنة.

كما يتضح من الخارطة الجيوسياسية لدول مجلس التعاون الخليجي بأنها تعاني من اختلالات خارجية محيطة. صحيح بأن الموقع الجغرافي لدول الخليج العربية يتميز بالأهمية الاستراتيجية لكونه يقع كمنطقة ارتكاز وربط بين الشرق والغرب وقريب من وسط وجنوب شرق آسيا، ومن القارة الأوربية، وفي هذه المنطقة ممرات مائية مهمة في العالم وهي مضيق هرمز وباب المندب، ولكن في نفس الوقت فإن الموقع الجيوسياسي لدول الخليج العربية يعاني من تهديدات محيطة. حيث أنه على مدى تاريخها، كانت هذه الدول محاطة بتحديات خارجية نتجت عن التغيرات والتنافس أو الأطماع الخارجية. وإذا نظرنا إلى الخارطة الجيوسياسية لدول المنطقة نجد هناك دول محيطة ومتنافسة فيما بينها وأهمها إيران، والعراق، واليمن، وسورية، ومصر، والأراضي المحتلة وإسرائيل، وتركيا. كل هذه الدولة قريبة جغرافياً من دول الخليج العربية، وتعتبر ضمن نطاق مجالها الحيوي. ولا شك بأن هذه المعطيات الجغرافية تزيد من معضلة دول الخليج الجيوسياسية، حيث أن لكل دولة من هذه الدول مشكلاتها وأحياناً تناقضاتها التي تؤثر في الأمن الإقليمي لدول الخليج العربية.

وقد سعت دول مجلس التعاون الخليجي منذ تأسيس المنظمة أن يكون لها رؤية مشتركة تجاه هذه الملفات الخارجية المختلفة، ونجحت في بعض الأحيان وفشلت في أحيان أخرى. وهذا الأمر يعود إلى عمق التناقضات في سياسات هذه الدول المحيطة وتعقيد علاقاتها مع دول الخليج العربية، إضافة إلى التباين الداخلي بين دول مجلس التعاون الخليجي تجاه مختلف الملفات الخارجية. وقد ظهرت رؤى سياسية مختلفة لصياغة نظام أمنى إقليمي يأخذ في الاعتبار هذه الخارطة الجيوسياسية للمنطقة. وقد بلورت دول الخليج الست تصورها ونفذته في مجلس التعاون الخليجي في عام 1981، كما ظهرت تصورات أخرى مثل 6+1 التي تدمج إيران، أو 6+2 التي تدمج إيران والعراق، أو العراق واليمن، أو ما سمي بالشرق الأوسط الجديد أو الكبير الذي يدمج دول شرق أوسطية غير عربية مثل تركيا وإسرائيل. وكل هذه التصورات الرامية إلى إنشاء نظام إقليمي تعاني من تحديات واختلالات بنيوية ذاتية بسبب الاختلال في التوازن الجيوسياسي والتناقض في السياسات الخارجية وطبيعة الأنظمة السياسية الحاكمة في هذه الدول.

وبشكل مجمل، فإن الخارطة الجيوسياسية لدول الخليج العربية، رغم أهميتها الإستراتيجية، إلا أنها تعاني من اختلالات “داخلية” في التوازن الجغرافي، وأخرى “خارجية” في التحديات والتناقضات المحيطة. وهذا لا شك بأنه يؤثر في العلاقات البينية بين الدول الخليجية الستة، وفي علاقاتها الخارجية بالدول المحيطة، أو بالقوى الدولية المؤثرة في هذه المنطقة.

التهديدات التي تواجه دول الخليج العربية:

يمكن القول بأن دول الخليج العربية من أكثر الدول العربية التي يواجه أمنها القومي تحديات تهدد بقاءها كدول. فهي دول تعاني من معضلة أمنية واضحة وضعف في القدرات العسكرية واختلال واضح في التركيبة السكانية. ورغم أنها دول غنية في الثروة النفطية والغاز الطبيعي، إلا أنها تعتبر بشكل عام دولاً هشة Fragile States. ووفقاً لتصنيف Fragile States Index في عام 2019 فإن قطر والامارات وعمان صنفت كدول مستقرة (more stable) والكويت صنفت ضمن الدول المستقرة (stable)، لكن السعودية جاءت في المرتبة 93 من 178  دولة (Elevated Warning)، والبحرين في المرتبة 113 (warning). والسعودية تعتبر دولة رئيسية في المنظومة ولا شك بأن عدم استقرارها سوف يؤدي إلى تأثيرات سلبية على باقي دول مجلس التعاون الخليجي.

كما أن اقتصاديات دول الخليج العربية تعاني من اختلالات واضحة، حيث أنها تعتمد بشكل شبه كامل في إيراداتها من العائدات النفطية والغاز الطبيعي، ولم تنجح في تنويع مصادر الدخل وفي تنفيذ المشاريع الاقتصادية الإستراتيجية المشتركة. حيث نجد بأن لكل دولة رؤية اقتصادية إستراتيجية خاصة بها مثل الكويت 2025 أو السعودية 2035، وفي الغالب فإنه لا يوجد تكامل اقتصادي بين هذه المشاريع الإستراتيجية. إضافة إلى معاناة هذه الدول من مظاهر الفساد المالي والإداري المستشري في أنظمتها الإدارية والسياسية، والذي كانت له نتائج سلبية في ظهور العجوزات المالية في ميزانياتها السنوية، وفي تراجع تصنيف هذه الدول في المؤشرات العالمية لمدركات الفساد. والكويت على سبيل المثال، ورغم أنها الدولة الخليجية الوحيدة التي تضمُّ مؤسسات رقابية ومحاسبية لديها صلاحيات فعلية، إلا أنها تراجعت في مؤشرات الفساد، وعانت هذه السنة من عجز كبير في ميزانيتها السنوية، فكيف هو الوضع بالنسبة لبقية دول الخليج العربية التي يغيب فيها الشق الرقابي على أعمال السلطة التنفيذية ويطغى على سياساتها الجانب الفردي والشخصي.

ولا يغيب عنا كذلك بأن دول الخليج العربية تعاني من تهديدات خارجية محيطة ومن غياب المظلة الأمنية الفاعلة في ضمان أمنها القومي. ورأينا في الفترة الأخيرة تعرض السعودية لهجمات ضد منشآتها النفطية أرامكو، وهو ما أدى إلى تخوف بقية دول الخليج العربية على أمنها، وتزايد إدراكها بانكشاف غطاءها الأمني وعدم الاعتماد على الحليف الأمني الأمريكي. ورغم توجيه الهجمة الأمريكية التي أدت إلى مقتل سليماني في العراق، إلا أن هذا الهجوم الأمريكي زاد من حدة التوتر والتصعيد في المنطقة على حساب أمن دول الخليج العربية. كما أن هناك سياسة أمريكية معلنة منذ إدارة أوباما تقوم على أساس تقليص الاعتماد على النفط الخليجي، كما استمرت إدارة ترمب بالإشارة المتكررة إلى نفس النقطة. وهي سياسات غربية تسعى إلى التقليل من أهمية منطقة الخليج. وفي نفس السياق، فإن إدارة أوباما أعلنت ما سميت ب pivot سياسة التحول عن منطقة الخليج إلى منطقة جنوب شرق آسيا والباسفيك، وهي السياسة التي استمرت إدارة ترمب في تبنيها من خلال إشارة الرئيس ترمب المتكررة إلى الانسحاب التدريجي من منطقة الخليج مع إعطاء الفرصة للحلفاء في المنطقة لتحقيق التوازن فيها. وهي سياسة تقوم على نظرية في العلاقات الدولية وهي off shore balancing التي صاغها جون ميرشايمر وستيفن والت وتقوم على تقليل التكلفة الأمريكية بتحمل الأعباء الأمنية وترك الحلفاء في المقابل يقومون بهذه المهمة مع إمكانية التدخل الأمريكي إن دعت الحاجة.

ومن ناحيةٍ أخرى، فإنه وبالنظر إلى الخريطة الجيوسياسية لدول الخليج العربية، نجد بأنها محاطة بمناطق وبؤر توتر ونزاعات عرقية وإثنية وطائفية، في اليمن وسورية والعراق. وهذه المناطق المتوترة قريبة جداً من الحدود الجغرافية لدول الخليج العربية وتهدد أمنها القومي بشكل مباشر. كما أن التركيبة الديموغرافية لمجتمعات دول الخليج العربية تعاني من مشكلات داخلية وانقسام مذهبي واضح، وهذا الانقسام المذهبي السني الشيعي يزداد في المجتمعات الخليجية مع تزايد وتيرة وحدة الصراعات المذهبية في المنطقة.

وما سبق يعتبر نظرة سريعة على المهددات الداخلية والخارجية التي تواجه دول الخليج العربية، ولا شك بأنها تهديدات حقيقية ومتجددة وتتطلب من دول الخليج العربية ضرورة التنسيق والعمل الجماعي المشترك. حيث أنه من الصعب على دولة واحدة ضمن منظمة مجلس التعاون الخليجي، مهما بلغت قدراتها، أن تعمل بشكل منفرد لضمان أمنها القومي، ولا شك بأن هذا العمل الجماعي المشترك من الصعب أن يتحقق في ظلِّ الخلافات البينية بين دول مجلس التعاون واستمرار الأزمة الخليجية دون تسوية وحلِّ نهائي.

نظرة المجتمع للخليج والوحدة الخليجية والدور الشعبي للإصلاح

يمكن القول بأن المراقب للشأن الخليجي يلحظ غياباً شبه تام للشعوب الخليجية في عملية صنع واتخاذ القرار في هذه الدول. (باستثناء الحالة الكويتية التي تتسم بدرجة محدودة من المشاركة الشعبية). وهذا الأمر يرجع إلى طبيعة الأنظمة الوراثية الحاكمة في دول الخليج العربية. ومنذ تأسيس مجلس التعاون الخليجي في عام 1981، لم يكن للمؤسسات الشعبية دور في هذه المنظمة وذلك لغياب هذه المؤسسات وعدم تبلورها وضعف تجربتها. وغلب على منظمة مجلس التعاون الخليجي الطابع الحكومي الرسمي، حيث بدا بأنها أقرب لتحالف سياسي بين العائلات الحاكمة الخليجية لمواجهة المخاطر التي تهدد بقاءها في الحكم. وفيما يتعلق بالوحدة الخليجية، فإن ميثاق مجلس التعاون الخليجي منذ تأسيسه أشار إلى العمل من أجل تحقيق هدف الوحدة بين دول المجلس. وقبل عدة سنوات عندما برزت الدعوة من الملك عبد الله في السعودية لتحقيق الوحدة الكونفدرالية بين دول المجلس، قوبلت هذه الدعوة بترحيب شعبي خليجي، رغم أن الشعوب الخليجية لم يكن لها دور في عملية صنع القرار السياسي.

ولكن الأزمة الخليجية في عام 2017 كانت نقطة تحول رئيسة في نظرة الشعوب الخليجية لمنظمة مجلس التعاون، حيث أن هذه الأزمة أدت إلى ترسيخ حالة عدم الثقة الشعبية في هذه المنظمة. ولأول مرة في تاريخ المنظمة تُشرك الشعوب الخليجية في الشأن السياسي، ولكن هذه المرة أُشركت في تحمل نتائج الخلاف وليس في مناقشة اتخاذ القرار. حيث أُقحمت الشعوب الخليجية في الخلاف السياسي المتراكم بين هذه الأنظمة السياسية. ونتج عن هذه الأزمة قطع العلاقات الدبلوماسية والشعبية بين أربعة دول في منظومة مجلس التعاون الخليجي. ومُنع الشعب القطري من دخول ثلاث عواصم خليجية. وأصبحت وسائط التواصل الاجتماعي ساحة مفتوحة لبروز الخلاف بين الشعوب الخليجية وبموافقة الحكومات هذه المرة. حيث إن الأزمات السابقة بين دول الخليج مثل أزمة 2014 كانت على مستوى القادة، ولكن هذه الأزمة وصلت إلى حد المستوى الشعبي. ولا شك بأنه سوف يكون لها أثر طويل المدى في ترسيخ حالة فقدان الثقة بين الشعوب الخليجية وبين الشعوب تجاه الأنظمة السياسية. كما أن عدم قدرة المجلس من خلال مؤسساته وأهمها الأمانة العامة على احتواء هذه الأزمة وحلّها ساهم بشكل أكبر في ترسيخ الانطباع الشعبي بشكلية هذه المنظمة وفي فقدان الثقة الشعبية في قدرة هذه المنظمة على التطور والإصلاح السياسي.

إمكانية إدارة اختلاف الرؤى والمحاور، وسبل الحفاظ على العلاقات الدبلوماسية وتفادي الأزمات مستقبلاً.

الأزمة الخليجية أثبتت بأننا في حاجة ماسة في دول الخليج العربية للتحول من العمل الفردي إلى العمل المؤسسي في إدارة العلاقات بين دول منظمة مجلس التعاون الخليجي. ولا بد في هذا الإطار من تفعيل هيئة تسوية المنازعات للنظر في الخلافات التي تطرأ بين دول المجلس. وفي حقيقة الأمر فإنه وبالاستمرار في نفس النهج الحالي في عملية صنع واتخاذ القرار في دول الخليج، فإنه من المتوقع تكرار مثل هذه الأزمات التي تؤدي إلى التأثير سلباً في الأمن الإقليمي لدول منظمة مجلس التعاون الخليجي.

كما أن الأزمة الخليجية الراهنة أثبتت بأننا في حاجة ماسة إلى تحقيق إصلاحات سياسية في دول الخليج العربية يتمُّ فيها تفعيل المشاركة السياسية الشعبية من خلال برلمانات يكون لها سلطات وصلاحيات سياسية فعلية وتشارك بشكل فعلي في عملية صنع وتنفيذ القرارات ولا تقتصر فقط على العمل الاستشاري. وفي واقع الأمر فإننا بحاجة إلى عمل شعبي خليجي موازٍ للعمل السياسي الحكومي يتمُّ من خلاله توطيد العلاقات الشعبية ووضع تصورات ورؤى تزوّد صناع القرار بتوجهات الرأي العام الخليجي حيال مختلف القضايا التي تهم دول مجلس التعاون الخليجي. كما أن الإصلاح السياسي في دول الخليج يعتبر بوابة مهمة لعلاج المشكلات الداخلية التي تعاني منها دول الخليج العربية والمتعلقة بحقوق الإنسان والحريات الشخصية والعدالة الاجتماعية والاندماج الاجتماعي، ولا شك بأن مثل هذه القضايا الملحة تعتبر نافذة لتنامي تأثيرات خارجية تسهم في إضعاف دول الخليج العربية وزيادة هشاشتها الداخلية والخارجية.

الدكتوراه في الاقتصاد السياسي الدولي من جامعة كامبريدج

د. محجوب الزويري

هل شكلت قمة مجلس التعاون الخليجي التاسعة والثلاثين، التي انعقدت في الرياض الأحد 9 ديسمبر ٢٠١٩، قمة “إعلان الوفاة” لمجلس التعاون الخليجي؟ رغم ما قاله العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز، في افتتاح القمة عن ضرورة المحافظة على كيان مجلس التعاون الخليجي وتعزيز دوره، ورغم حديث أمير الكويت المفصل عن أن انعقاد هذه القمة، يمثل حرصا من الجميع على دور المجلس، وتناوله للأزمة الحالية التي يتعرض لها، وضرورة حلها داخل البيت الخليجي إلا أن الواقع يبدو مخالفا لما تحدث به الزعماء في قمتهم.

فلقد مرَّ مجلس التعاون الخليجي، كما هو الحال في العديد من المنظمات الإقليمية، بأزمات عديدة منذ تأسيسه في ٢٥ مايو ١٩٨١ولكن تبدو الأزمة الحالية التي يمرُّ بها المجلس، مختلفة كثيراً عن الأزمات التي مرَّ بها على مدار السنوات الماضية، إذ أنها انبثقت من داخله وتثير مخاوف وجودية عليه ككيان سياسي، فمنذ قطعت ثلاثة دول خليجية، هي السعودية والإمارات والبحرين إضافة إلى مصر، علاقاتها مع قطر وفرضت حصاراً عليها منذ يونيو٢٠١٧، تراوح الأزمة مكانها وتبدو يوماً بعد يوم في وضع أسوأ.

المجلس حالياً منقسماً بصورة واضحة، إذ تبدو قطر في جانب واحد، في مواجهة حلف يشمل السعودية والإمارات والبحرين، بينما تبدو كل من الكويت وسلطنة عمان في حالة أقرب إلى الحياد تحاول جاهدة لرأب الصدع والمحافظة على اللحمة الخليجية، وهو ما يعني في نهاية المطاف أن المجلس لم يعد من وجهة نظر العديد من المراقبين كتلة واحدة. كما أن آلياته وقرارته وعمله أصيب بتكلس شديد وبشلل تام.

ومع تداول الأحاديث عن أن المجلس بات في وضع متردٍ، تنطلق الاتهامات بتحميل المسؤولية عما وصل إليه، لأطراف مختلفة فالبعض يحمل ذلك لقطر بسياساتها، والبعض يحمله للسعودية وحلفائها وسعيهم للهيمنة. والحقيقة أن الأزمة التي تسببت بها دول الحصار هي من أوصل المجلس لهذه الحالة السيئة. إذ يعلم الجميع أن هذه الأزمة المختلقة هي من عرض المجلس لهذه الحالة وعطلت عمل المجلس.

وبرغم محدودية إنجازات مجلس التعاون الخليجي يعتبر هذا الكيان هو البيت الخليجي الذي يشمل ستة دول أعضاء كانت أداة للتعاون والتكامل والاندماج الإقليمي فيما بينها. وحقق المجلس العديد من المنجزات ومنها الاتفاقيات المقرة من قبل المجلس الأعلى والمشاريع المشتركة. فعلى سبيل المثال لا الحصر تعتبر السوق الخليجية المشتركة الموقعة في عام ٢٠٠٧ من أهم الاتفاقيات التي أقرها المجلس الأعلى والتي تحث على حرية تنقل البضاعة ورأس المال والأفراد وعلى تكوين المواطنة الاقتصادية الخليجية. كما تعتبر اتفاقية الدفاع المشترك وتكوين جماعة أمنية من أهم الاتفاقيات في المجال الأمني والعسكري، ناهيك طبعا عن المشاريع المشتركة.

ويعتبر مجلس التعاون الخليجي كيان إقليمي ذو صبغة قانونية أو منظمة إقليمية تحكمها القوانين والأنظمة والاتفاقيات التي سنّها وأقرّها المجلس الأعلى وهو أعلى سلطة في الهيكل التنظيمي لهذه المنظومة. وقد خالفت عملية الحصار روح ونص النظام الأساسي للمجلس الذي ينص على “تعميق وتوثيق الروابط والصلات وأوجه التعاون القائمة بين شعوبها في مختلف المجالات” ولم تراعي عملية اتخاذ القرار بالإجماع التي جاءت في نظامه الأساسي. كما خالفت عملية الحصار روح ونص اتفاقيات مجلس التعاون ومنها اتفاقية السوق الخليجية المشتركة والاتفاقات الدفاعية والأمنية.

ولم تشاور الدول الأخرى الأعضاء كالكويت وعمان التي لم تشارك في عملية الحصار ولم يؤخذ برأيها. ولم تفعل هيئة تسوية المنازعات التابعة للمجلس الأعلى ولم يعرض الخلاف أياً كانت أسبابه على قمم مجلس التعاون التي عقدت بعد عملية الحصار لمعالجة الأمر وتمَّ فعلياً استبعاد المجلس ونظامه الأساسي ومؤسساته وتهميش إتفاقياته في النظر في موضوع الخلاف أو في محاولة الوصول لحلٍّ مناسبٍ للأزمة. وأصيب مجلس التعاون ومؤسساته بالشلل التام وتجمّد إن لم تنتكس عملية التعاون حتى أصبح مجرد انعقاد القمم في وقتها تعتبر انجازاً في حدِّ ذاتها.

 والملاحظ تكوين مجالس تنسيق بين بعض أعضائه كمجلس التنسيق السعودي-الإماراتي والسعودي-الكويتي ليس بهدف تسريع عملية التعاون والتكامل والاندماج ولكن بهدف النكاية وزيادة الفرقة بين الدول الأعضاء.

وهذا أدى إلى علو بعض الأصوات التي بدت تشكك في جدوى استمرار المجلس. ويثير مثلاً الكاتب السعودي عبد الرحمن الراشد، في مقال له بصحيفة الشرق الأوسط تحت عنوان “هل حان انهاء مجلس التعاون” شكوكاً حول جدوى استمرار مجلس التعاون الخليجي” ويقول “إن استمر الوضع المتأزم كما هو اليوم، فسينتهي مجلس التعاون لدول الخليج إلى غير رجعة، إلا من اتفاقات ثنائية”!

وبعيداً عن الخلاف السياسي بين أعضاء مجلس التعاون الخليجي، يطرح كثيرون تساؤلات عما حققه المجلس للمواطنين الخليجيين، وبجانب انهيار آمال كثيرة قبيل تحقيق الوحدة الاقتصادية، وإقرار عملة موحدة لدول المجلس، وعرقلة المشاريع المشتركة تبدو الأزمة الأخيرة للمجلس وقد تركت آثارها على حياة المواطنين في دول الخليج، في ظلِّ ما يشير إليه البعض من تقطيع لأواصر القربى، وتضييق لحرية السفر وزيارة الأماكن المقدسة إلخ.

ورغم كل هذا الضرر الذي ألمَّ بمجلس التعاون الخليجي إلا أن الملاحظ أن هناك لازال تمسك به ومحاولة للحفاظ على هذا الكيان ريثما تنحل الأزمة وتعود المياه إلى مجاريها على أمل أن يعود المجلس إلى عمله الطبيعي.

ولكن الأسئلة الجوهرية هنا هي ما هي الدروس المستفادة التي تعلمها المجلس من هذه الأزمة وماذا بإمكانه عمله لتجنب وقوع هكذا أزمات وكيف يمكن منع تفاقمها وحلها؟ وكيف يمكن الارتقاء بالعمل الخليجي المشترك وتسريع وتيرة التعاون؟

وهنا لا بد لدول المجلس من القيام بمراجعة حقيقية ونقدية لعمل المجلس ونظامه الأساسي وأهدافه وآلياته واتفاقياته ليس فقط لأجل تجنب وقوع أزمات (والتي بطبيعة الحال وكما هو في معظم التجمعات الإقليمية حتما ستقع في المستقبل) ولكن لوضع آليات لحلّها عن طريق المجلس واحترام نظامه الأساسي وتمكين آلياته وتفعيل وتطبيق اتفاقياته واستحداث مؤسسات وآليات جديدة كمحمكة عدل خليجية ومجلس شورى منتخب وممثل للشعوب الخليجية، على سبيل المثال. بل وأيضا لأجل الاستجابة للتحديات الكبيرة التي تمرُّ بها المنطقة ومواجهة التهديدات العديدة التي تتعرض لها ولتحقيق آمال الآباء المؤسسون وطموحات الشعوب في حياة كريمة تجمع كل شعوب الخليج في بيت خليجي مشترك وموحّد يحافظ على مكتسباتهم ومقدراتهم ويكون مثال وقاطرة لباقي دول المنطقة وداعم للتعاون والتكامل والاندماج الإقليمي العربي.

وكما هو معلوم فلقد تأسس مجلس التعاون الخليجي في ظروف استثنائية كانت تعصف بالمنطقة مثل الثورة الإيرانية، الحرب العراقية-الإيرانية، الغزو السوفيتي لأفغانستان، تجميد عضوية مصر في جامعة الدول العربية نقل مقر الجامعة من القاهرة نظراً لتوقيع اتفاقية السلام المصرية-الإسرائيلية، إلخ. وإذا لم يكن ما تمرُّ به المنطقة الآن من خلافات ونزاعات وعدم استقرار وحروب وتحديات ومخاطر لا تعتبر حالة استثنائية فكيف يمكن تعريف الحالات الاستثنائية؟ نعم أن المنطقة تمرُّ بمرحلة استثنائية وجودية خطيرة لا تهدد فقط عمل ووجود المجلس وإنما تهدد أمن واستقرار الدول الأعضاء مما يتطلب نقلة نوعية في حياة وعمل المجلس لمواجهة كل ذلك جماعياً.

نعم حقا إن الحالة التي يمرُّ بها مجلس التعاون الخليجي الآن تعتبر حالة سيئة، محزنة ومثبطة للهمم ولكن ربما يأتي الفرج من رحم الأزمات. وهنا يأتي دور القيادات المتنورة والمؤسسات والنخب والإعلام والشعوب في تجاوز المحن والارتقاء على المنغصات ونبذ الفتن والخلافات وبالعمل الجماعي المؤسساتي لمواجهة التحديات والأخطار المحدقة ولتحقيق آمال ومستقبل الأجيال القادمة.

فكر   —   ثراء الطرح

الحوار في الواحة


سؤال : مجلس التعاون الخليجي تأسس في عام 1981، ومنذ ذلك التاريخ حدثت بعض الاضطرابات بين دول الخليج، فكما تفضل الدكتورعبد الله أن الخلاف هو جزء من طبيعة الدول و لكن لم يصل صدى تلك الخلافات إلى الشارع، كأن مُحيّداً نوعاً ما أو مقتصراً على دوائر صُناع القرار أو الدوائر العُليا، في هذه الأزمة شاهدنا تحولاً في هذا الشأن، شاهدنا دخول البعد الاجتماعي في هذه المسألة، لا أدري إن كنت تتفق مع ذلك أم لا لكن هل كأنت هناك محأولات تفويج و ما هو الدور التاريخي و السياسي الذي ينبغي للشعوب الخليجية أن تقوم به ؟

من الواضح أن هذه الأزمة مختلفة ليس منذ 1981 لكن على الأقل الأزمة اللتي حصلت في 2014 كانت في نطاق المستوى السياسي الرسمي، إنما هذه الأزمة الاخيرة أُقحم فيها العامل الشعبي إن صح التعبير، فالمفارقة العجيبة أن مجلس التعاون منذ تأسيسه عام 1981 لم يتدخل المستوى الشعبي في قراراته على الإطلاق يعني كأنت كل القرارات في معظمها على مستوى القادة حتى مناقشات الاجتماعات السنوية تُعقد في ظل المستوى الرسمي، أم المستوى الشعبي فهو غائب تقريباً، وهذا يرجع إلى عدة اعتبارات أهمها غياب الدور الشعبي عن دوائر صنع القرار السياسي في كل الخليج العربي باسثتناء الحالة الكويتية، قد يكون للمستوى الشعبي فيها دور من خلال دور البرلمان، إنما حتى في الكويت موضوع السياسة الخارجية بصورة عامة هو مفوض للسلطة التنفيذية، لذلك وجدنا أن كل الخلافات التي طرأت بسبب الخلافات الحدودية بسبب تباين مواقف دول الخليج الخارجية نجدها بأنها تظهر وتُحل ضمن الدوائر المغلقة أو خلف الأبواب المغلقة لمستوى القادة، فالعلاقات الشخصية بين القادة لعبت دوراً في حل الكثير من الأزمات لكن أعتقد أن الأزمة الحالية مختلفة لسبب رئيسي وهو أن الدول الخليجية التي بادرت للقطيعة مع قطر حاولت الضغط في كافة الاتجاهات بما فيها الاتجاه الشعبي، بمعنى أنها حاولت استغلال التطور الذي حصل في دور الشعوب نتيجة للثورات العربية و تطور ثورة المعلومات و وسائل الاتصال الاجتماعي، فنجد يعني تقرير لأحد مراكز الدراسات الأمريكية الذي قارن بين قناة الجزيرة في قطر و الهاشاتاق و التويتر في السعودية و وجد مثل هذا التقرير أن السعودية تفوقت في التأثير باستخدام وسائل الاتصال الاجتماعي، بالتالي أجد أن هذه الأزمة أُقحمت فيها الشعوب تعمداً كسلاح و كأداة للضغط من كل الأطراف و بالتالي نجد لأول مرة تدخل الشعوب ليس في إطار تنموي لحل المشكلات وفي مناقشة المشاريع التي تهدف لتحقيقها و إنما أُدخلت في أزمة خليجية بين القادة و تفرعت إلى مستويات شعبية و تُركت فيها الساحة بدون أي رقابة.

 نعرف أن الحكومات الخليجية ليست أنظمة ديمقراطية تتاح فيها حرية التعبير بشكل كامل فحتى في الحالة الكويتية هناك تراجع كبير في حرية الرأي خصوصاً في موضوع وسائل الاتصال، لكن نجد بأن هذه الأزمة تركت فيها الحكومات الحرية بشكل كامل لشعوبها لإبداء رأيها تجاه هذه الإزمة و وصل ذلك لحد التجريح الشخصي في القادة والمسؤولين الرسميين لذلك أنا أعتقد أنها نتاج للتطور الذي حصل في وسائل الاتصال و نتاج لما حصل في الثورات العربية و الجانب الآخر هو هل للشعوب دور في حل هذه الازمة؟ أعتقد بدون أن يكون للمستويات الشعبية في دول الخليج العربية أي دور و أي تاثير في دوائر صنع القرار و اتخاذ القرار لن يكون لها دور في حل هذه الأزمة، يعني مجلس الأمة الوحيد في الحالة الكويتية هو الذي بيده صلاحيات دستورية ورقابية و تشريعية لكن في كل دول الخليج العربية بلا استثناء المجالس التشريعية صورية وشكلية وشورية، لذلك لن يكون لها أي دور لا في المبادرة في وضع الأجندة السياسية لدول الخليج العربية ومجلس التعاون ولا دور في وضع  حد لهذه الأزمات بدون أن يكون هناك إصلاح سياسي والإصلاح السياسي يكون بمبادرة من الأنظمة السياسية وبضغط من مؤسسات المجتمع المدني وأيضا من الجامعات، فمثل هذه المحاضرات و الجلسات الحوارية لها دور كبير أولاً في زيادة الوعي السياسي لدى الشريحة الشبابية التي هي غالبية المجتمعات الخليجية التي نجد بأنها ضمن الشريحة الشبابية، فهي تزيد من درجة الوعي السياسي وتزيد من التنشئة السياسية التي غابت عنها الحكومات.

الدول لم تقم بشكل كبير بزيادة درجة الوعي السياسي فلم تقم بعملية التنشئة السياسية وليس فيها دور للأحزاب السياسية التي تراجعت كثيراً في كل دول العالم بما فيها الدول العربية، لكن يجب أن يكون هناك عمل سياسي موازي للعمل السياسي الرسمي عمل شعبي موازي لنتجاوز مثل هذه الأزمات السياسية وأن يكون هناك عمل عابر للحدود الخليجية ضمن النطاق الشبابي وضمن نطاق مؤسسات المجتمع المدني لضع رؤى مشتركة بين هذه الشرائح الشبابية في قطر و الكويت و السعودية و الإمارات و عمان وفي كل الدول الخليجية يجب أن نضع تصورات مشتركة وإيصالها مرة أخرى لصناع القرار.

أعرف بأنه هناك عقبات أمنية، عقبات التعارض مع السياسة الرسمية للدول، لكن يجب أن يكون العمل ليس من مستوى القادة ومستوى القمة بل يجب أن يكون العمل من مستوى القواعد الشعبية، فلا شك بأن الشريحة الشبابية المتعلمة مثل ما هو موجود الأن في المركز الطلابي في مؤسسة قطر، وكما هو موجود في مواقع التواصل الاجتماعي يعول عليها بشكل كبير، فوسائل التواصل الاجتماعي صحيح أنها أتاحت الفرصة للشباب للتعبير عن آرائهم لكنها في كثير من الحالات كانت هذه الآراء غير منظمة أحيانا وكانت مؤدلجة، فقد ظهر ما يسمى بالجيش الإلكتروني و الذباب الألكتروني ، وأحيانا تدخل أجهزة المخابرات فيها، لكن مثل هذه الجلسات الحوارية و المناظرات تنقي مثل هذه الأفكار تنظمها و تجعلها في إطار علمي و بعيد عن الجانب النخبوي المعزول ويكون للشباب دور في إيصال مثل هذه الأفكار.

التاريخ السياسي الخليجي هو تاريخ نجد فيه أحداث تمثلت فيها التنافر و الخلاف كما أنه تاريخ يزخر بمواقف تجسد قيم التعاون و الإخاء و الوفاق ولكن هل التاريخ السياسي الخليجي عامل إيجابي في بناء مستقبل العلاقات الخليجية؟  أم أنه يجب أن تكون هناك سردية جديدة تأخذ من هذا التاريخ ما صفا و تدع الآخر؟

لاشك بأن هناك أرضية جيدة لعمل خليجي مشترك و هذا حصل بالفعل فمنذ عام 1981 لغاية اليوم مجلس التعاون هو الصيغة الوحدوية العربية التي نجحت في الاستمرارية و هذا لا شك مردّه إلى عوامل استقرار طبيعة الأنظمة السياسية الوراثية وتقاربها، وطبيعة المجتمعات متقاربة أيضاً، لكن على الجانب الآخر هناك عقبات لا يمكن إنكارها يعني، لذا أعتقد أن من أهم العقبات أمام نجاح منظومة مجلس التعاون الخليجي وقد يكون أيضاً من أهم مصادر تكرار الأزمات بينها هو ما يسمى بـ”اختلال التوازن الجيوسياسي بين دول الخليج العربية”، فالمملكة العربية السعودية مساحتها الجغرافية أكثرمن 80% من المساحة الإجمالية لدول مجلس التعاون الخليجي بمقابل إمارات الساحل وهي دول  small states  في النظام الدولي أوmicro states ، وهذا لا شك يخلق حالة من عدم التوازن، أضف عليها بأن السعودية لديها حدود مع كل الدول الخمس المتبقية، بينما في الحالة القطرية هناك معضلة أمنية جغرافية فربما لم يحصل لأي دولة في العالم بأن تجاورها دولة كبيرة جغرافياً و لديها منفذ بري وحيد وحدود برية مع دولة واحدة، بحيث إن اختلفت معها تغلق هذه الدولة الحدود وبالتالي تقع هذه الدول الصغيرة في مشكلة وهذا ما حصل بالفعل.

الكويت أيضاً تقترب من الحالة القطرية لكن صحيح أن الكويت دولة صغيرة ومجاورة للسعودية لكن الكويت لديها حدود مع العراق والسعودية لذلك نجد أن السياسة الخارجية الكويتية دائماً كانت تركز على نقطة التوازن و إيجاد علاقات متوازنة مع كافة الأطراف حتى لا تضع كل البيض في سلة واحدة و بالتالي قطع العلاقات يمكن أن يؤدي إلى نتائج سلبية و هذا ما حصل في الحالة القطرية.

اختلال التوازن الجيوسياسي بين دول الخليج العربية و خصوصاً من الجانب السعودي، وتغيرات إقليمية حصلت في المنطقة خلال السنوات الأخيرة بدءً من 1979 اتفاقية كامب ديفد و تراجع الدور المصري، وتراجع الدور العراقي بعد ذلك باحتلال الكويت 1991 أتاح المجال لدول إقليمية رئيسية في المنطقة مثل المملكة العربية السعودية بأن تتوافر لها مقومات الدولة القائدة في المنطقة، فالملاحظ أنه في النظام الإقليمي العربي كانت السعودية تقوم بدور الموازن لمصر و سوريا و الموازن للعراق في حربه مع إيران، ومع تراجع دور هذه الأقطاب العربية؛ سوريا و مصر و العراق أتيحت الفرصة لدولة مثل السعودية للعب دور الدولة القائدة، لذلك فالسعودية دائماً تريد أن يكون لديها تكتّل ليس من دول تابعة ربما وإنما من دول متناسقة مع سياستها الخارجية، لذلك عندما وجدت السعودية أن قطر تتعارض مع سياستها الخارجية في المنقطة بعد الثورات العربية شكلت مثل هذا التكتل العربي الخليجي الذي ضم كل من الإمارات والبحرين ومصر، وكأنت أول تجارب هذا التحالف بأنه قادر على تحقيق أهدافه؛ بمقاطعة قطر وبالأزمة الخليجية التي حصلت، لذلك أعتقد بأن الأهمية بالنسبة لهذا التحالف الرباعي بالنسبة للأزمة الخليجية هو إيصال رسالة للأطراف الأخرى العربية وغير العربية أيضا كإيران و تركيا بأن هذا التحالف الجديد الذي برز بعد الثورات العربية قادر على تحقيق أهدافه في المنطقة وهذا قد يكون من بين الأسباب التي عطلت مشروع المصالحة في الأيام الأخيرة الماضية.

نود أن نسلط الضوء على الدور الأمريكي في المنطقة، بعض المحللين الاستراتيجيين بدأوا يشيرون إلى ضرورة إعادة التفكير في جدوى الحماية الأمريكية تحديدا بعد بروز عدة قوى سياسية و اقتصادية إلى حد ما في العالم و ذلك ايضا يأتي في ظل مراجعة أمريكية حقيقية لوجودها في المنطقة، ما جدوى أن نعيد التفكير في العلاقة بين الخليج و امريكا، هل هناك بديل اخر و ما هو؟

لا شك أن هذا الموضوع مطروح منذ فترة طويلة، فموضوع غياب المظلة الأمنية بالنسبة لدول الخليج العربية، طرحت تصورات مختلفة لإيجاد وبلورة نظام إقليمي خليجي، مجلس التعاون الخليجي هو أحد هذه التصورات التي طُبقت بالفعل ، فمن أطروحات المظلة الأمنية؛ نظام الست دول وقد طرح نظام إقليمي 6+1  و إدخال إيران أو 6+2 و دمج إيران و العراق أو اليمن حتى، أو نظام إقليمي شرق أوسطي تدمج فيه دول أخرى غير عربية مثل تركيا، وحتى بوقت  إدارة جورج دبليو بوش تم طرح دمج اسرائيل بالمنطقة ضمن مشروع الشرق الأوسط الكبير، لكن غياب المظلة الأمنية هو التحدي الكبير الذي مازال يواجه دول الخليج العربية إضافة إلى التحديات الداخلية.

أعتبر دول الخليج العربية كلها fragile states أو دول هشّة، و في مقياس الدول الهشة في العالم نجد أن السعودية والبحرين تقعان في تصنيف الدول الهشة، صحيح أن قطر والكويت و الامارات و عمان ضمن الدول الـ stable  لكن هي أيضاً دول تعاني من المعضلة الأمنية الموجودة في العلاقات الدولية، هذه المعضلة الأمنية تجلت بوضوح خلال الاحتلال العراقي للكويت ونجحت دول الخليج العربية مع الحليف الأمريكي في إزالة هذا الاحتلال في 1991، فمصداقية الحليف الأمريكي ثبتت إيجابياً في 1991 تحديداً من خلال قدرة الحليف الأمريكي على تحرير الكويت مع التحالف الدولي الذي حصل في 1991، لكن منذ إدارة أوباما و حديثه عن التحول شرقاً نحو آسيا و الباسيفيك ثم في إدارة ترامب تجلى بوضوح فقدان الثقة إن صح التعبير أو فقدان مصداقية الحليف الأمريكي، فضرب المنشآت النفطية في ارامكو في السعودية كأن بمثابة الاختبار الحقيقي الذي أعطى أنذاراً واضحاً لدول الخليج العربية بانكشاف غطائها الأمني أمام التهديدهات الخارجية وبعدم الاعتماد على الحليف الأمريكي لضمان أمنها القومي، فعدم قدرة دولة رئيسية في المنطقة كالمملكة العربية السعودية على الحفاظ على أمنها القومي فقد تعرضت لضرب الاقتصاد و بضرب المنشئة النفطية في عمق أراضيها، وهذا مؤشر خطير على انكشاف الغطاء الأمني لكل الدول الخليجية والعربية وبالتالي فقدأن الثقة بالحليف الأمريكي، أنا اعتقد أن عملية ترامب باغتيال سليماني أعادت النظر مرة أخرى بقدرة الإدارة الأمريكية على لعب دور في المنطقة بعدما كانت إدارة ترامب تكرر كثيراً بأنه يجب على الحلفاء في المنطقة القيام بمسؤولياتهم الأمنية. وهناك نظرية في العلاقات الدولية وضعها جون شايمر و ستيفن والت وهي التوازن من خارج المجال و إدارة أوباما طبقتها عملياً بمحاولة الانسحاب التدريجي من دول الخليج، وإدارة ترامب أكملت هذه الاستراتيجية، وهي إعطاء المجال للدول الحلفاء في المنطقة بالقيام بمسؤولياتهم الأمنية مع التدخل العسكري أن دعت الحاجة، وهذا الأمر يشير إلى الحاجة الماسة بالنسبة لدول الخليج العربية بتصفية الخلافات البينية بينها و إقامة مظلة أمنية داخلية بالاعتماد على القدرات العسكرية،  وهذه استراتيجية طويلة المدى تحتاج إلى بناء قدرات عسكرية ذاتية، صحيح أن هناك تطور في القدرات العسكرية لدول الخليج، لكن هناك تهديدات خارجية كون دول الخليج تقع ضمن بؤر التوتر في العالم، فالمنطقة على مقربة من نزاع طائفي في العراق ونزاع إثني و طائفي في سوريا واليمن و في ليبيا أيضا القريبة من حدودها الجغرافية فبالتالي هي منطقة غير مستقرة في العالم، ومع أنكشاف غطائها الأمني تتضاعف مثل هذه المخاطر الخارجية.

إذاً في ظل عدم وجود الثقة بالحليف الأمريكي يجب أن يكون هناك استراتيجية مشتركة بين دول الخليج العربية مع إيجاد بدائل أخرى، فنرى مثلاً أن الكويت تصنع تعاوناً مع الصين اقتصادياً و نرى قطر في التحالف الاستراتيجي مع تركيا و الكويت أيضا أقامت مثل هذا التعاون الاسترتيجي مع تركيا والتفكير الكويتي بإعادة التحالف القديم مع بريطانيا وإيجاد قاعدة بريطانية في المنطقة، لذلك  كل هذه التصورات البديلة لإيجاد حليف بديل عن الولايات المتحدة ما زالت تصورات غير متبلورة بعد إما لعدم قدرة هذه البدائل على سد الفراغ الأمريكي أو لأن الولايات المتحدة نفسها غير راغبة بإيجاد طرف بديل عن الغطاء الأمني الأمريكي في المنطقة.

ما هي الجوانب الإيجابية للأزمة الخليجية ؟

بما يتعلق بالمظلة الأمنية لا أرى أنا إيران تشكل نموذجاً بالنسبة للمنطقة، فالبعض ينظر للنموذج الإيراني بشيء من الإيجابية أو قدرة إيران على ملئ هذا الفراغ الأمني أو بقدرتها بأن تكون قوة إقليمية، أنا أعتقد بأن إيران تعأني من مشكلات داخلية و خارجية وبالتالي هي لا يمكن أن تشكل نموذجاً يمكن أن يحتذى في المنطقة، النقطة الأخرى هي لماذا دول الخليج العربية لا تشكل استراتيجية مشتركة؟ نعم هذا هو الهدف أن يكون هناك قدرة ذاتية لدول مجلس التعاون الخليجي على القيام بهذا الدور الأمني في المنطقة، لكن أعتقد أن دول الخليج العربية تعاني من عقبات أمام تحقيق مثل هذا الهدف، أول هذه العقبات الفساد المالي و الإداري و السياسي الموجود في دول المنطقة و دول مجلس التعاون الخليجي، اذا يذكر أن هناك صفقات مليارية للتسلح دون وجود أثر لهذه الصفقات. كما أن من بين الأسباب التي أدت إلى هذه المحصلة وجود الفساد الإدراي و المالي في الأنظمة السياسية، فالكويت هي الحالة الوحيدة في دول المنطقة التي فيها درجة من الشفافية والرقابة والمحاسبة السياسية من جانب البرلمان و من جانب ديوان المحاسبة، وقد كشفت العديد من أوجه الفساد في صفقات الدفاع و صفقات التسلح فما بالك ببقية دول الخليج التي يغيب عنها هذا الجانب الرقابي و ينفرد فيها صاحب القرار باتخاذ القرارات بما فيها القرارات المتعلقة بالتسليح و الدفاع.

أول تجربة تقوم بها دول الخليج العربية عسكريا في الاعتماد بشكلٍ كبيرعلى قدراتها الذاتية كانت في التدخل العسكري في اليمن حتى قبل الأزمة الخليجية، فشاركت فيها كل دول الخليج ما عدا عمان في البداية حتى قطر شاركت إلى جانب كل من الكويت  والإمارات والسعودية، بالتالي الاعتماد على القدرات العسكرية في التدخل في اليمن كانت مدخل يمكن من خلاله البناء على إيجاد استراتيجية ومظلة أمنية بالاعتماد على القدرات العسكرية الذاتية.

ثالث هذه العقبات أعتقد بأنها المشكلة الديمغرافية أو المشكلة السكانية، دول الخليج تعاني من ندرة في العامل البشري اللازم لبناء قدرات عسكرية ليس في العدد فقط لكن أيضا من جانب النوعية، دول الخليج العربية دول ريعية بالتالي اعتماد شعوبها على الأنظمة السياسية في الوظائف وغيرها، فلم يكن هناك تنمية بشرية حقيقية وخصوصاً التركيز على الجانب العسكري، يضاف عليها عامل آخر وهو ضعف الثقة بين الأنظمة السياسية و شعوبها، خصوصاً الأنظمة الوراثية الخليجية، فالتجارب السلبية السابقة في الدول العربية للجيوش و انقلابها على الأنظمة الملكية الوراثية في العراق و اليمن و مصر و ليبيا جعلت هناك عُقد لدى الأنظمة الوراثية، ففي السنوات الاخيرة فقط بدأت دول الخليج العربية و أنظمتها بالهتمام بجانب الجيوش و بتطوير قدراتها العسكرية، في السابق لم تكن تهتم بأن يكون لديها جيش قوي حتى لا تؤدلج هذه المؤسسة العسكرية وتنقلب عليها ربما، فقد كان الاعتماد الأكبر على الحليف الخارجي، لذك نظرا للتحولات الدولية مؤخراً وخصوصا في الجانب الأمريكي بدأ هناك تركيز على قدرات عسكرية داخلية، تحديداً مع ضعف الدول العربية الأخرى في المنطقة. وهذه عقبات رئيسية يمكن تجاوزها مستقبلاً.

لذلك يجب أن لا نضخم كثيراً من قدرة إيران، فحادثة سليماني كشفت الضعف الإيراني، إيران نظام ثوري يعتمد على الميليشيات ليس له جيش نظامي و أنا أعتقد أن كل الأنظمة الخليجية بلا استثناء لا تثق في إيران، تثق في بعضها البعض اكثر من ثقتها في إيران، إيران لديها مشروع يتعارض أيديولوجيا مع الأنظمة الخليجية الست بلا استثناء وبالتالي إيران لا تشكل نموذجاً حتى لو أُدرجت ضمن معادلة الأمن الاقليمي فهي لن تكون بديلا عن الحليف الخارجي، وهذا جانب نقص كبير بأننا نبحث عن حلفاء هنا و هناك دون الاعتماد على قدراتنا العسكرية الداخلية.

أما بما يتعلق بالجانب الإيجابي في الأزمة الخليجية أو السلبي هو في قطر بالتحديد اكثر من الدول الخليجية الاخرى، فإذا بحثنا عن تركز الجانب الإيجابي أو السلبي، فسلبا هو بنسبة 90% على قطر و إذا كأن للأزمة الخليجية أي جوانب إيجابية هي يجب أن تكون في قطر أيضاً وخصوصا على الجانب الاجتماعي، فإذا ما قارنا بين الأزمة الخليجية الحالية في قطر و أزمة الاستقلال في الكويت في 1961 ، نجد أنه عندما استقلت الكويت هددها عبد الكريم قاسم وأعلن تبعية الكويت للعراق، فكانت مشابهة تقريباً للأزمة الخليجية الحالية بالنسبة للسعودية و قطر، فبعد 1961 ماذا حصل في الكويت داخلياً ؟ حصلت مشاركة سياسية وحصلت انتخابات حرة لمجلس الأمة، وصحافة حرة ، وحصلت توعية سياسية داخليا، انعكست هذه الازمة الخارجية على الداخل إيجابا لذلك أنا كنت أتوقع منذ اندلاع الأزمة الخليجية أن تنعكس إيجابا بإفساح المجال للمجتمع القطري بأن يكون هناك مشاركة سياسية حقيقة فعلية تُفعّل مجلس الشورى، وأن يفعل الدستور وتكون له صلاحيات حقيقية و هذا نلمسه بشكل واضح بعد الأزمة الخليجية حيث زيادة الوعي السياسي بين الشباب القطري مُلاحظ.

سؤال جمهور

يجب أن نعرف أن الفضاء في مواقع التواصل الاجتماعي ليس كله خالياً من تدخل الأجهزة الأمنية و من تسيير عدد كبير من الحسابات الإلكترونية و بالتالي نجد أن النقاشات الموجودة في تويتر و في مواقع التواصل الاجتماعي ليس بالضرورة تعبر عن واقع حقيقي في التفاعلات و النقاشات ففي كثير منها هي مُحركة من أجهزة أمنية و دليل على ذلك أنه في أزمة سحب السفراء لم يكن هناك أي تفاعل في وسائل التواصل الاجتماعي، فالبتالي هي مسيّرة أكثر من كونها تعبر عن واقع حقيقي و هذا من بين الأسباب التي يمكن أن تجعل أثر هذه الأزمة بعيد المدى فهذه الأزمة تركت جراح في نفوس الشعوب الخليجية، يمكن أن يتم تجاوزها لكن على فترة زمنية طويلة، قس عليها الذي حدث بين الكويت و العراق حيث أن ما حصل بين الكويت و العراق أعمق بكثير مما حصل في الأزمة الخليجية مع ذلك الأن الأجيال المتعاقبة تجاوزت مثل هذه الأزمة، صحيح أنها ما زالت في النفوس لكن تجاوزها يمكن أن يكون مع مرور الوقت.

 لكن مرة اخرى لا أعتقد بأن المجتمعات الخليجية لها الحرية الكاملة في إبداء رأيها و التعبير عن رأيها حتى في مواقع التواصل الاجتماعي فالحكومات تراقب وأحياناً تفرض قوانين، في الكويت مثلاً قانون الاساءة إلى الدول الصديقة، مثل هذا القانون غير موجود في دول خليجية أخرى، فلو غرد شخص وأساء في تغريدة إلى الإمارات أو إلى قطر أو إلى السعودية أو إلى عمان يحاكم أمام القضاء بتهمة الإساءة لدولة صديقة وبالتالي أنا لا اقول أن الحل يكمن في فرض القوانين التي تقيّد من مساحة التعبيرإنما الحل في تنقية الأجواء السياسية حتى تكون منصات التواصل الاجتماعي ساحة مناسبة لتبادل الافكار.

هل يمكن اعتبار الأزمة الخليجية قطيعة مع المسار الطبيعي للعلاقات بين الدول؟ أم أنها تعتبر نتيجة لتراكمات ظلت تعتمل في الجسد الخليجي وظهرت بهذه الطريقة؟

في الحقيقة الحديث عن الأزمة كما أفهمه، ينطلق من فكرة بسيطة، لأن إيقاع التطورات السياسية في منطقة الخليج دائما منضبط بالتغير خارج منطقة الخليج، وهذا يقودنا إلى ثلاث مراحل أساسية: عندما كان العالم العربي يتحدث عن القومية أو عن الحركات الإسلامية كان صدى هذه التغيرات يقع  في دول الخليج وفي دول بعينها، وعندما كانت الثورة الإيرانية في الجوار كان الصدى يأتي ‏إلى منطقة الخليج، وعندما حدث الربيع العربي كان التصور أن الربيع العربي حصراً على بلدانه ولكن الحقيقة كانت أن هذه قراءة خاطئة، ‏فالربيع العربي وصل صداه وزلزاله إلى الخليج.

‏ولعل أحد منتجات هذا التحول الكبير كانت أزمة الخليج، أنا بالنسبة لي لا أستطيع أن أفهم الأزمة دون التموضع السياسي والمواقف مما حصل في المنطقة ‏العربية وتحديداً الربيع العربي لأنه هو الشرارة التي فجرت مواقف وخصومات كانت موجودة بين الدول ونعرفها منذ سنوات، ‏قد تكون موجودة على مستوى سياسي معين ربما يكون الصف الأول، لكنها لم تكن بالشكل الذي وصلت له في هذه الأزمة.

أزمة الخليج ليست إنتاجاً محلياً في منطقة الخليج ‏بل هي أحد المنتجات التي ارتبطت بصدى وتفاعلات في المنطقة لم تستطع أن تكون في منأى عنها، نظراً للمصالح والمواقف السياسية ونظراً لخوفها من التأثيرات السياسية التي يمكن أن تحصل؛ لذلك هذا التموضع السياسي والتشكل في موقف الدول الخليجية ‏والذي اكتشفنا في 5 حزيران 2017 أنه من أهم الطلبات التي طلبت من قطر لها علاقة بإعادة التموضع السياسي والمواقف، فعندما تتحدث عن الجزيرة وعندما تتحدث عن العلاقة مع إيران وعندما تتحدث عن الإخوان المسلمين كل هذه الظواهر مرتبطة بالربيع العربي والثورات التي حصلت في المنطقة، ‏ولذلك الأزمة بقدر ما لها من جذور كامنة وبقدر ما كان هنالك أسباب داخلية متعلقة بالمنطقة إلا أن الانعكاسات الخارجية كانت أقوى ودفعت هذه الأمور للتفجر في مطلع العام 2017.

هل هنالك توازن في القوى بين دول مجلس التعاون الخليجي؟ وهل من الممكن أن يكون هنالك تعاون حقيقي من غير وجود هذا التوازن؟

‏إذا نظرت إلى منظومة دول مجلس التعاون هناك اختلاف في موازين القوى: هناك دول كبيرة، وهنالك دول  الصغيرة، هناك دول صغيرة بإمكاناتها الاقتصادية أو بإمكاناتها الجغرافية، وأيضا هنالك دول كبيرة وعدد سكانها كبير كذلك.

لا شك أن هذا خلل كبير، وإذا نظرت إلى الدور التي تلعبه المملكة العربية السعودية‏ منذ ثلاثينيات القرن الماضي للمست هذا بشكل واضح حيث تتصدر المملكة العربية السعودية في كل المناسبات السياسية، ومن مظاهر ذلك جعل مقر مجلس التعاون الخليجي في جدة.

السبب  أيضا اختلاف شبكة العلاقات ‏الخارجية لتلك الدول، دول مجلس التعاون الخليجي لم تستطع أن تقرأ سياسياً وامنياً مصالحها وتقترب من وضع صيغة للمواقف المشتركة لذلك لاحظنا عبر مراحل كبيرة ‏كانت هنالك هزات عنيفة  ‏تُحدث أزمة بين الدول ‏قد تكون في مراحل معينة اختفت وتختفي من فترة لأخرى ولكن في عام 2017 ظهرت بشكل واضح لذلك أهم عامل فُقد ضمن سياق عدم التوازن هو عدم القدرة على إعادة تعريف المصلحة والأمن القومي للمنطقة يعني مثلا: ‏في وقت كانت تُعرف إيران على أنها خطر على البعض كان البعض لا يراها خطراً عليه ويتعامل معها بشكل طبيعي وهم جميعاً أعضاء في مجلس التعاون الخليجي، وهنا أعود للفكرة التي ذكرها الدكتور عبدالله، هنالك أمور تم التوقيع والتوافق عليها ‏وهي لا تعكس توافقات 100%  ولا على أنه يجب أن نتصرف بموجب هذه الاتفاقات، في اعتقادي هذه القراءة المختلفة التي استمرت ولم تتوقف ومازالت مستمرة لابد أن ‏نأخذها في إطار إيقاع العامل الخارجي.

نحن منذ اجتياح الكويت عام 1990  دخلنا في عالم القطب الواحد وسيطر الأمريكي على ‏المشهد  ‏ومحاولة إدارة الأمور بشكل مختلف، هذا كله ضاعف الضغوط على دول الخليج وضاعف الاعتماد على الآخر وبالتالي جعل بوصلة المصالح الأمنية والمصالح السياسية فيها نوع من التشتت وبالتالي خلق ‏هذه الفجوة التي حاول الآخرون أن يعبئونها عبر مراحل زمنية مختلفة وهذا ما زاد من شقّة الخلاف في المنطقة.

ما هي أهم التحديات اتي تواجه النظام الأمني الخليجي؟

يمكن الحديث عن ثلاثة مستويات من التحديات الأساسية، الكل يعرف أنه منذ عقد السبعينيات دخلت دول الخليج الخمسة الأساسية بالإضافة إلى السعودية مرحلة ما يسمى بناء الدولة وهذه المرحلة وللأسف الشديد تعتبر شهر العسل الذي ‏لم يكتمل لأنه بعد مرور تسعة سنوات قامت الثورة الإسلامية الإيرانية وتوجهت معظم موازنات دول الخليج لقضايا أمنية وإلى شراء الأسلحة لمواجهة الخطر الإيراني وما أن انتهت الحرب ‏العراقية الإيرانية واستفاقت وأعادت دول الخليج عجلة التنمية قام العراق باجتياح الكويت، فكان التحدي الأساسي هو الاستمرار فيما يسمى بناء الدولة في الخليج وكان هذا التحدي حتى اليوم يأخذ مساحة كبيرة من حجم المشكلة في ‏منطقة الخليج.

التحدي الثاني باعتقادي يتعلق بالجوار، والجوار هنا  نتحدث عن التحدي القادم من إيران، إيران كانت تحدي لدول الخليج حتى قبل الثورة، والذي يتصور أن إيران كانت مشكلة فقط بعد الثورة فلم يقرأ التاريخ، إيران منذ أربعنيات القرن الماضي كانت‏ مشكلة بالنسبة لدول الخليج والحديث عن السعودية بشكل أساسي.

في العام 1943 حدثت أزمة بين السعودية وإيران بسبب أن إيرانياً يقال أنه “بصق” في الحرم وقطعت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين وقامت أزمة لها أول وليس لها آخر بين البلدين، ‏ولكن مع ذلك ولأن البلدين كانا يسيران في المسار الأمريكي استطاعا أن يعودا بسرعة إلى نوع من ضبط العلاقة بينهما، لكن إيران تشعر بأنها ‏دولة ذات تاريخ وحجم جغرافي وحجم اقتصادي كبير ولديها شركاء دوليين وتشعر بتفوق قومي، والبعد الأساسي أنها تشعر أنها مجتمع حضاري ،وهذه العوامل كلها جعلت إيران تنظر للآخرين بنظرة دونية وسببت أزمات سياسية، وتعتبر الثورة الإسلامية أحد مظاهر هذه الأزمات أي أن البعد المذهبي والطائفي أحد مظاهر الأزمة مع إيران وليست كل الأزمة.

أما عن التحدي الثالث والأساسي هو صياغة العلاقات السياسية أو ما يسمى ‏بالسياسة الخارجية. السياسة الخارجية ارتكزت منذ الحرب الباردة على العلاقة مع الغرب والولايات المتحدة ووضع البيض كله في سلة واحدة، وبالتالي هذا كله جعل النظام الخليجي يتهدده خطر كبير بسبب هذا الاختيار، ودعني أذكر بنقطة، عندما قامت الدول الأربعة بمحاصرة  قطر رغم كل الثقيل الأمريكي‏ والعلاقة مع السعودية والإمارات وحجم تشابك العلاقات الاقتصادية بين البلدين فشلت واشنطن في إقناع البلدين في تخفيف الحصار عن دولة قطر وهذا يظهر أن الاعتماد على الولايات المتحدة والتراجع التدريجي في الدور الأمريكي يكشف الغطاء الأمني في الخليج ويجعل التحدي الأمني أكبر وأخطر في المنطقة.

هذه الأخطار الثلاثة بقناعتي ‏لا زالت مستمرة ولم تتوقف وأضيف لها خطر آخر وأعتقد أنه مرتبط بفكرة ما يسمى استدامة التنمية بالمنطقة، بالنظر إلى أن دول الخليج تعاني من جيل الشباب الكبير نسبياً، تتولد هنالك فجوة معرفية تكاد تكون موجودة ‏وهنالك أيضا حركة في سيولة المعلومات، وسؤال الهوية الذي يتبلور حالياً في منطقة الخليج بشكل أساسي كيف يمكن لمجتمعات الخليج أن تحافظ على هويتها الخليجية العربية الإسلامية المركبة كلها في ظل هذه السيولة في المعلومات والقيم وغير ذلك، باعتقادي هذا تحدي لا يقل عن التحدي الأساسي الذي يتعلق بالأمن ‏والأخطار الخارجية، وفي اعتقادي أيضاً أن هذا يحتاج الى عمل كبير فكرته الأساسية هي تقوية الدولة ولكن على أساس عقد اجتماعي جديد مع الناس يعيد لحمة المجتمع مع الدولة لتفادي هذه الأخطار كلها.

كيف تنظر الجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى الخلافات الخليجية الخليجية بمنظور استراتيجي؟ وهل لها مساحات للتحرك والتأثير والاحتواء أم أن موقف إيران هو موقف موحد تجاه دول الخليج؟  

في الحقيقة إن أي مراقب للمشهد الإقليمي منذ مطلع الثمانينيات يجد بشكل واضح وجود انقسام كبير في التعامل مع إيران سواء على المستوى العربي أو على المستوى الخليجي، وحتى على المستوى الخليجي في مراحل زمنية أيضا كان هنالك انقسام كبير جداً، يعني دعني أذكّر في عام 2006 و2008 كان هنالك حلفان في المنطقة: حلف المقاومة وحلف الاعتدال وكانت السعودية والأردن ومصر في حلف الاعتدال وقطر وسوريا وإيران من حلف المقاومة.

إذا ما عدنا إلى مرحلة 1997 و1998 حتى 2004، السعودية وإيران كانتا على علاقة ممتازة جداً وتم توقيع اتفاقية أمنية ولكن العلاقات ‏القطرية الإيرانية كانت عادية؛ وبالتالي أنت ليس لديك معيار واضح في عملية ضبط العلاقات وهنالك انقسام في تقييم إيران أي انه ليس هناك موقف خليجي واحد من إيران، فإيران لديها علاقات تاريخية واستراتيجية مع عمان، وتظهر إيران في المنطقة في بعض الأوقات في ما يتعلق في ‏المشهد الأمني في الكويت، والإمارات أيضاً في أوقات الازمة مع إيران كانت هي الشريك الثاني استراتيجيا مع إيران.

إيران مستفيدة من هذا الاختلاف حيث قال لي أحد المسؤولين الإيرانيين في عام 2002 نحن نسر عندما يكون لدينا 22 تقرير تقييمي مختلف لنا من 22 عاصمة عربية، وبالتالي هو لا يريد أكثر من ذلك، ‏22 رؤيه حول سياسة واحدة تفعلها إيران، إيران تستفيد من هذا الاختلاف وتشعر أن هذا الاختلاف يفيد على المدى البعيد وهذا بما لا شك فيه أنه خدمة مجانية لها، ولكنها في نفس الوقت تقلق من التغيير السياسي، دعوني أذكر في عام 1990 عندما اجتاح العراق الكويت، إيران أخذت موقف واضح وكان موقفها لا نقبل التغير الجغرافي السياسي في المنطقة ووقفت مع الولايات المتحدة ومصر في ذلك الوقت رغم العداوة بينهم من أجل إخراج صدام حسين من الكويت.

وفي 5 حزيران عندما قامت دول من الخليج بمحاصرة قطر كان الاجتماع في اليوم الثاني في العاصمة أنقرة بين وزير الخارجية الإيراني ووزير الخارجية التركي والرئيس التركي وكان موقفهم أنه إذا فعلت السعودية والإمارات أي محاولة عسكرية سنرد مع قطر، بمعنى ‏إيران تريد المحافظة على الوضع القائم لأنه يخدمها  وتخشى التغيير، وهذا يذكرنا إلى حد ما في مرحلة معينة؛ إيران والسعودية اتفقوا بأن يكونوا ثورة مضادة لأنهم التقوا في قضية المحافظة على الوضع القائم ‏لأن تغييره مكلف -بالنسبة لهم ربما هو ليس اتفاقاً ولكنه اتفاق غير مباشر أن يعملوا ضد التغيير في المنطقة- لذلك إيران في السنوات السابقة أصبحت دولة محافظة سياسياً توظف الاختلافات بين الدول المجاورة وتقيم أهمية كبيرة في علاقاتها مع العرب بشكل عام لأن إيران تعتقد أن جزء من العمق الحضاري والتاريخي لها كجمهورية إسلامية له علاقة بعلاقتها مع العرب ولكن المشكلة أنهم لا يفهمون أو لم يدركوا أن هذه العلاقية و طريقة التفكير هي مشكلة كبيرة مع العرب في هذه الأيام، لذلك ربما يدفعهم هذا إلى تغيير القراءة في التعامل مع العرب ودول الخليج تحديداً لأنهم يرون (أي الإيرانيين) أن منطقة الخليج جزء من الحديقة الخلفية المهمة بالنسبة لأمنهم، لأنهم عندما يتحدثون بقلق عن الوجود الأمريكي هم فعلا يتحدثون بقلق حقيقي، لكنهم لم يفهموا أن جزء من هذا القلق يتعلق بسياستهم في المنطقة لذلك أعتقد أن إيران يمكن القول أنها لغز  وفي نفس الوقت حجر مهم ‏في توازنات المنطقة لأنها هي الدولة الوحيدة بالمناسبة بالإضافة إلى تركيا اللتين لم تستعمرا ولم يكن فيهما تدخل أجنبي وتتعاملان مع المنطقة بمنطق استقلال مختلف تماماً كدول قومية وهذا الأمر يمكن أن يكون مفيداً لدول الخليج إذا ما تعاملت معه بطريقة مختلفة في تعزيز الاستقرار والأمن بعيداً عن العامل الخارجي المتعلق بالولايات المتحدة.

استيقظنا على كابوس الأزمة الخليجية أو الحصار، بداية الأمر ظننا أنه مجرد إشاعة كغيرها من الإشاعات، وبعدما ثبت الخبر قلنا إنها سحابة صيف عابرة، لم نكن نتخيّل أن يمتد عمر هذه الأزمة إلى ما يقارب الألف يوم، كيف ترى الواقع الخليجي الراهن؟ وكيف تقيمه؟ وما هي المآلات المحتملة؟

الحديث عن الخليج حديث ذو شجون كخليجي وكشخص أؤمن إيمان عميق بالحاجة للتعاون والتكامل والاندماج ما بين الشعوب والدول الخليجية.

 لمّا نرى ما حصل أو ما يحصل الآن شيء يدمي الجبين ويجرح القلب، منطقة الخليج كما يعرف الجميع منطقة حيوية ومنطقة مهمة وذات موقع استراتيجي ومهم جغرافيا، كما أنها منطقة حباها الله بكثير من النعم والنفط والغاز، وأن نرى فيها ما حصل كانت صدمة ومفاجأة لم يكن أحد يتوقعها خصوصاً أنه لم تكن للأزمة مقدمات حتى يستطيع أحد أن يقرأها أو يفهم ما حصل.

كانت أزمة مفتعلة غير مسبوقة وللأسف الشديد غير عقلانية لا في التعامل ولا الطرح ولا في إدارتها ولا في محاولة إيجاد حلول لها، وأصبحت المنطقة للأسف الشديد ينظر لها من بقية شعوب دول العالم أن هذه المنطقة تفتقد إلى أدنى درجات التعامل في العلاقات الدولية.

‏في منطقة الخليج هناك مجلس تعاون خليجي يجمع هذه الدول بأهداف وآليات محددة وطرق اتخاذ للقرار أيضاً، لذا فالأزمات أو دعنا نقول سوء التفاهم يحصل وهو شيء طبيعي ما بين الدول والشعوب والقيادات ولكن كيف تتعامل مع هذه الأزمات وكيف تتحاور في حلها أو إيجاد حلول لها أو تحجيمها، هذا كله لم يحصل للأسف في الأزمة الخليجية.

‏مجلس التعاون الخليجي هو كيان إقليمي يضم الدول الست على حسب ميثاق ‏وقّعت عليه كل الدول وينص الميثاق في النظام الأساسي أن القرارات لابد أن تكون جماعية ما بين جميع الدول والكل يتفق عليها هذا أولاً، والشيء الآخر ‏تم بناؤه على أسس التعاون والتكامل والاندماج وصولاً للوحدة وأن هذه الشعوب هي شعوب واحدة قريبة من بعضها البعض يجمعها الدم وتاريخ ويجمعها أيضاً المستقبل وهناك اتفاقيات مشتركة، ‏مثلاً من ضمن هذه الاتفاقيات اتفاقية السوق الخليجية المشتركة وتنص على ثلاثة أمور مهمة هي حرية تنقل رأس المال و الأفراد والبضائع فهي اتفاقية وقع عليها الجميع في عام 2007 وما حصل من حصار في هذه الأزمة على قطر يضر بالاتفاقية ‏وهذه الاتفاقية الجماعية التي تم التوقيع عليها من كل الدول، فهذه الأزمة أقرتها ثلاث دول ‏ولم يرجعوا إلى أساس المجلس الأعلى الذي أقر هذه الاتفاقية وهذا يعد نسف للمجلس على الأسس التي تم بناؤه عليها ‏والتي هي عملية اتخاذ القرار الجماعي، وووضع الأهداف والاتفاقيات، وهذه تعد خطوة للوراء وتضر في العمل الخليجي المشترك و ربما نتحدث عن العودة لبناء المجلس ويجب علينا أن نتعلم من هذه الدروس.

إذا لم تكن كل تلك الاتفاقيات مانعة لحدوث الأزمة واندلاعها ألا يأخذنا ذلك إلى سؤال ما مدى احتمالية اختفاء منظومة مجلس التعاون الخليجي كمنظومة إقليمية جامعة لدول الخليج؟ هل هناك احتمالات غير متوقعة؟

للأسف الشديد نحن اليوم نعيش في ‏وضع غير طبيعي وقرارات أُحادية ‏وفردانية في اتخاذ القرار على مستوى الدولة ناهيك عن مستوى المنظمات الإقليمية، فمن الممكن توقع أي شيء، وحصول هذه الأزمة بحد ذاته لم يكن متوقعاً لذلك من الممكن توقع أي شيء إذاً، ولكن في نفس الوقت نرى كل دول مجلس التعاون الخليجي متمسكة بالمجلس رغم كل ما حصل وهذا يشير إلى دلالة قوية بأن الكل يرغب بهذا المجلس وأنه يستطيع تحقيق المصالح من خلاله وتوجد مصالح مشتركة، وحتى قطر التي تعرضت لهذا الحصار ‏لا تريد ولا ترغب بترك هذا المجلس ولا أي دولة أخرى، وذلك لأنه كما ذُكر سابقاً حتى قبل تكوين مجلس التعاون الخليجي كانت هذه الوحدة موجودة ‏وحدة الأرض ووحدة الجغرافيا ووحدة التاريخ ووحدة التراث ووحدة القبائل.

 

البعض يشير إلى أن تأسيس المجلس في وجه من وجوهه كان عبارة عن رد فعل للأخطار الإقليمية التي تهدد منظومة الخليج بشكل أجمع؟

هذا إلى حد ما صحيح هو كان استجابة للتحديات ‏التي تمر فيها المنطقة ولكن الاستجابة مبنية على أسس التاريخ والمصير المشترك ونحن نتحدث عن جغرافيا واحدة في النهاية. اليوم نحن نعيش في عالم متلاطم وهذه الدول الصغيرة -وكذلك الدول الكبيرة- لا يمكن أن تعيش في معزل عن البشر، أمريكا وهي القوة العظمى لديها علاقات تجارية واتفاقات تجارية ‏ومنخرطة في تجمعات كبيرة لتحمي اقتصادها ولتحمي نفسها من كثير من الأمور ‏فكيف بدول الخليج وهي دول صغيرة.

وأيضاً من التحديات التي تواجه مجلس التعاون الخليجي هو ضعف في الجامعة العربية،‏ مما دفع دول مجلس التعاون بالأساس لتكيون هذا النظام على الأقل ليحافظ على هذه المجموعة ولكن تحت الإطار العام، ولا تنسى في الثمانينيات كانت الجامعة العربية في أسوأ درجة من ضعفها ‏وخصوصاً بعد زيارة السادات إلى تل أبيب ونقل مقر الجامعة إلى تونس والأزمة التي تمر بها، ‏فكانت دول الخليج بحاجة إلى منظومة تحميها وهذه المنظومة ما كادت لتكون لولا وجود العوامل التي ذكرتها سابقاً.

تعقيب

لدي تعقيب يتعلق بتعريف القوة، فإذا ما تحدثنا عن المملكة العربية السعودية كدولة محورية وكبيرة في المنطقة واستعملت في عملية الحصار ‏القوة، وفق  تعريف القوة؛ وهو أن تجعل الآخرين يعملون ما تريده، فهي حاولت مع الرباعية أن تعمل هذا الشيء مع قطر لكن لم تنجح القوة، وهذا ربما يفسر لماذا اتجهت الى الشعبوية، لأنه قد حصل خطأ في الاستراتيجية واستنفذوا كل ما يمكن أن يعملوه فلم يتبقى إلا نقل المشكلة إلى المستوى الشعبي وتكبيرها، الأمر الثاني أن ما يحصل الآن هو صراع بين خطابين؛ ‏خطاب التغيير والانفتاح والشباب، وخطاب الثورات المضادة وهذا ما نشهده ونعيش فيه.

أين يكمن العمق الاستراتيجي لدول الخليج؟ هل يكمن خارج الخليج أم داخل الخليج؟ وإلى متى؟

‏العمق الاستراتيجي لدول الخليج هو العمق العربي ‏أولاً لاعتمادها على نفسها كدول لديها من الإمكانيات للحفاظ على كياناتها واستغلالها ‏لقدراتها لو أنها قامت بالعمل مع بعضها كمجموعة أمنية، وهذا كان من المفترض أن يكون من أهداف مجلس التعاون الخليجي وهو العمق الأساسي، أما العمق الثاني هو العمق العربي ‏من خلال جامعة الدول العربية وأيضاً هناك عمق آخر هو العمق الإسلامي ‏لأن الدول الخليجية جزء من مجموعة إسلامية، فهذا يعطي غطاء كجزء من منظمة دولية لأنها منطقة مهمة ليست فقط لدول الخليج نفسها  ولكن للدول الكبرى في العالم، فعمقها الاستراتيجي مع القوى الكبرى يشكل تعاون بهدف حفظ السلم والأمن في المنطقة.

‏أحد التهديدات التي تواجهها الدول الخليجية هي أنها تعيش في القرن الواحد وعشرين بكل تجلياته وفي نفس الوقت لا زالت تفكر وتحكم وتُدار بعقلية القرون الوسطى وهذا يفسر لنا كثير من الأمور، فلازال الحاكم ينظر للبلد كإقطاعية ويدير الدولة بهذه الطريقة ولازال هناك خلافات داخل الأسرة الحاكمة الواحدة ولازال هناك خلافات ما بين الأسر في دول الخليج وهذه حقيقة، ‏ولم تعد هناك ثقة ‏لا بين أفراد العائلة الحاكمة أنفسهم ‏أحياناً والخلافات التي بينهم -وبتنا نشهدها كثيراً في بعض دول الخليج- وليس هناك ثقة ما بين هذه القبائل وهذه العوائل التي تحكم والعوائل الأخرى، ‏ومازلنا نعيش إرهاصات هذا التاريخ السياسي بطريقة أو بأخرى، وهذا تهديد كبير فإذا لم تتغير هذه الذهنية فسنظل نعيش في هذه المأساة للأسف الشديد.

في بداية العقد الماضي دعت المملكة العربية السعودية إلى وحدة كونفدرالية خليجية، ألا تعكس هذه الدعوة وعياً عند صناع القرار بضرورة التكامل الأمني والسياسي والاستراتيجي بين دول الخليج؟

سيعكس ذلك وعياً عندما تقوم المملكة العربية السعودية بتفسير الوحدة الخليجية أو الاتحاد الخليجي وماذا يعني‏، فإلى اليوم المملكة العربية السعودية لا تستطيع ولم تستطيع أن تشرح ماذا تعني باتحاد خليجي، ولنأخذ خطوة أو خطوتين للوراء ونتذكر أن هذه الفكرة أتت من الراحل الملك عبدالله في أيام الربيع العربي وأتى هذا على أثر خلفيات أخرى.

على العموم نحن لازلنا في دول الخليج نعيش مرحلة من التخبط ولنتذكر غزو الكويت كانوا يفكرون في (‫6‏+2‏) وهو ضم مصر وسوريا لمشاركتهم في حرب تحرير الكويت ‏واكتشف القادة السياسيين في دول الخليج ‏أن هذا يضرهم وأنهم لم يثقوا لا بسوريا ولا مصر فكان أن دفعوا لهم ما دفعوا وقاموا بصرف الفكرة ‏وتحولت أمريكا هي الحامي للمنطقة.

 ‏أيام الربيع العربي وتحت ضغط حركات الربيع العربي، أتى الملك عبدالله بفكرة ضم الأردن والمغرب لمجلس التعاون الخليجي، ومما يميز ‏الأردن ‏أنها دولة مجاورة ونظامها السياسي مشابه وقبائلها مشتركة ‏والأردن هي الدولة الوحيدة في العالم العربي التي تعتمد تجارتها والاستثمار فيها على دول الخليج، أما بقية الدول العربية تعتمد على الخارج، الأردن أصبحت جزءً سياسياً واقتصادياً واجتماعياً من منطقة الخليج ورحبت الأردن بهذا الشيء، أما في المغرب كانوا في حيرة من أمرهم ‏ورفضوا لأنهم ليسوا من الدول الخليجية ولديهم المجلس المغاربي ‏ولو كانوا يفضلون الانضمام إلى مجموعة، سينضمون للاتحاد الأوروبي، لذلك كانت الدعوة محرجة لهم فإن وافقوا فسيثير الأمر استغراب شعوبهم والعالم وإن رفضوا سيتضررون لعدم استلامهم دعم خليجي فقرروا التزام الصمت إلى أن قامت دول الخليج بالتراجع عن الفكرة ودفع خمس مليار دولار لكلٍ منهم، فرحت المغرب ولكن الأردن كانت تأمل الانضمام للمجلس وهذا أمر لا بد من التفكير به مجدداً.

 بعدها أتت فكرة الاتحاد أن ننتقل من مرحلة التعاون إلى الاتحاد، السؤال هنا هو كيف ننتقل؟ وعلى أي أساس؟ الصحيح أن مجلس التعاون الخليجي يقول أن على دول الخليج التعاون والتكامل و الاندماج وصولاً الى الوحدة، ولكن من يعرف الوحدة وأبجديات التكامل الإقليمي وأديباته ونظرياته فهي ‏تقول إنك لابد أن تنتقل من مرحلة الى أخرى بشكل تدريجي وصولاً إلى الاتحاد ودائما يُرى الاتحاد الأوروبي على أنه المثل. ‏فالاتحاد الأوروبي قد انتقل من سوق حرة إلى تعرفة جمركية موحدة إلى سوق مشتركة ‏إلى وحدة اقتصادية وإلى وحدة سياسية وحتى هذه لم تنجح ونحن إلى الآن لم نفعل الوحدة الجمركية ولا زال هناك خلاف على تفاصيل الوحدة الجمركية ناهيك عن السوق الخليجية المشتركة، فكان الأولى بنا أن نعمل على إكمال المشاريع التي بدأناها و تنفيذ الاتفاقيات التي اتفقنا عليها، فماذا سيعمل الاتحاد إذا لم يكتمل عمل المجلس؟، ‏هل الفرق في التسمية أم في المضمون؟ نحن نريد التركيز على المضمون ويكون هناك تفعيل للاتفاقيات التي وقعت من قبل القادة في المجلس الأعلى ويكون هناك حرص عليها وعلى تنمية آلية المجلس ‏ويشعر المواطن بذلك، أما أن ننتقل بشعارات وعبارات ‏فهذا أمر غير واقعي فنحن نتمنى هذا الشيء وأعتقد أن هذا الشيء يمكن أن يحصل في الأجيال القادمة ولكن التدرج في العملية أسهل فبينما نتحدث عن وحدة واتحاد وعلى مدار سنين، فجأة يتم محاصرة دولة جوار وعضو في المجلس الخليجي ويتم ضرب كل الاتفاقيات والنظام الأساسي للمجلس بعرض الحائط، بلذا نحن نحتاج قليلاً من العقلنة في اتخاذ الأمور والانتقال، كما يجب أن يكون ذلك مبني على أسس معقولة وراسخة.

تشارك الأفكار   —   مستقبلٌ طَموح

آراء شبابية


موزا الهاجري
بالطبع الشعوب الخليجية لها تاريخ مشترك وجذورها مشتركة ولذلك دورمهم في الأزمة ومهم جداً ومن أهم الأمور التي يجب على الشعوب الخليجية القيام بها هي عدم تصعيد الأزمة أكثر ويجب أن يكون أحد بوادر حل الأزمة هي الجذور المشتركة ‏بين الشعوب الخليجية و العلاقات المستمرة بين شعوب دول الخليج والتي لا يستطيع أحد أن ينكرها.
أسماء الحوري
نتمنى أن تعود العلاقات بين دول مجلس التعاون الخليجي وخصوصا أنه قد مر مجلس التعاون الخليجي من قبل بأزمات وتخطاها ولكن حتى نكون صريحين أكثر ‏أؤمن أنه إذا عادت العلاقات لن تكون بذلك الوهج أو بتلك الثقة المتبادلة بين دول مجلس تعاون وأيضا أن أوجه التعاون بينهم لن تكون كاملة وخصوصا في الجوانب الاقتصادية والأمنية.
عبادة الجربي
بطبيعة الحال من الصعب عودة العلاقات بين دول الخليج إلى سابق عهدها، في أفضل الحالات ستعود ولكن على المدى البعيد لأن ما يميز العلاقات الخليجية هو عمقها من ناحية عادات وتقاليد ‏ومن ناحية الأسر المتجذرة في المنطقة، لأنها بالنهاية منطقة واحدة جغرافيا وثقافيا وتمتلك أيديولوجية واحدة وديمغرافية واحدة ‏ولا نستطيع أن ننسى العمق الديني، لذلك العلاقات ستعود ولكن الفكرة الأساسية هي كم ستأخذ من الوقت حتى تعود لأن عامل الوقت هو الأهم ‏في نسيان الأزمة وما ترتب عليها.
زين عساف
يستطيع الشعب القيام بشيء اتجاه هذا الوضع وأنا أعتقد أنه كان يجب على الشعوب محاولة تذكير الناس بأننا نحن جميعا في منطقة الخليج عرب وإخوان ونحاول الابتعاد عن ‏التفرقات وأن نتصالح فيما بيننا.
سعود الملك
من المعروف في تاريخ الخليج العربي أن الدول الخليجية كانت متكاتفة ولكن بسبب بعض الضغوطات حصلت بعض المشاكل السياسية، ولكنها مستقبلا بالتأكيد ستحل ويعود التكاتف بين الدول الخليجية مثلما ما كان في السابق.

This website uses cookies to ensure you get the best experience on our website. | Privacy Policy