
- ديسمبر 6, 2022
هناك العديد من الأسباب التي تجعل دولة ما ترغب في استضافة حدث رياضي ضخم، سواء كان ذلك من خلال تعزيز الاقتصاد المحلي عبر الترويج للسياحة (كما فعلت الولايات المتحدة مع كأس العالم 1994)، أو بناء العلاقات سعيا وراء فرص تجارية دولية (كما فعلت الصين مع أولمبياد بكين)، أو إعادة بناء هويتها الوطنية (كما فعلت جنوب أفريقيا مع كأس العالم 2010). أما في حالة قطر فتتمثل الأهداف المعلنة في تعزيز التفاهم بين الثقافات وخلق إرث من الاحتفاء بالمجتمع العالمي وعدم الإقصاء والاستدامة [1]. لا يخفى على أحد ما تعرضت له منطقة الشرق الأوسط لكثير من التنميط السلبي والصحافة السيئة، والآن تمتلك قطر منصة لتحدي المفاهيم الخاطئة واستعادة سرد هويتها باعتبارها أول دولة عربية مسلمة تستضيف مثل هذا الحدث الكبير.
وبالنظر إلى اختلال التوازن في رأس المال الاجتماعي، فإن هذا الأخير غالبا ما يأتي على حساب شخصي كبير، فعندما يدافع الجمهور السائد عن رواياتهم، غالبا ما يجد أفراد الأقلية أنفسهم على الطرف المتلقي للانتقادات اللاذعة المتعصبة، مع عدم وجود ضمان لتغيير السردية.
الفعاليات الكبرى مثل كأس العالم دائما ما تشغل مساحة في الوعي العالمي، ومن المتوقع أن تستقبل قطر ما بين 1.2 و1.7 مليون زائر [3] طوال فترة البطولة، ومن خلال تجاربهم في الدوحة، ستشكل سردية جديدة يأخذونها معهم إلى ديارهم. وليس هذا كل شيء، فالتغيير الأكبر سكون عبر “تأثير العرض” [4]، من خلال الحضور الرقمي للدولة المستضيفة لكأس العالم. وفي هذا العصر الرقمي، ستهيمن قطر على الشاشات، ليس فقط على شاشات التلفزيون ووسائل الإعلام الإخبارية التقليدية، ولكن على منصات التواصل الاجتماعي وبتفصيل كبير، حيث يوثق الزوار كل شيء وصولا إلى المواقف اليومية التي تمر أثناء إقامتهم، من التبادلات التي يجرونها مع موظفي المترو وسائقي الأجرة، إلى التجارب التي يشاركونها مع أفراد الأمن والسكان المحليين. ومن خلال انتشار هذه الروايات عن دولة قطر، ستُحفر في الذاكرة الجماعية للمجتمع، وهذا يسمح للمنتمين إلى ثقافات الأقلية أن يواجهوا الصور النمطية السلبية. سيكون من الصعب الإدعاء بأن الدولة رجعية أو غير متسامحة إذا كان هناك أرشيف رقمي يشير إلى خلاف ذلك. ولا يزال من الصعب الوقوف إلى جانب مثل هذه الادعاءات، إذا كان أولئك الذين ينتمون إلى الأغلبية يتحدثون عن تجاربهم الخاصة التي تتعارض مع الادعاءات المتحيزة التي يصورها إعلام الغرب.
ومن ناحية أخرى، فإن هذا المستوى من الدعاية قد يلقي الضوء أيضا على أي عيوب في الدولة، فآلة الإعلام العالمي، سعيا وراء احتكار الخبر، لن تتوقف عن إثارة القصص وإرضاء التصورات المسبقة الراسخة. في هذا الصدد، فإن تأثير العرض هو سيف ذو حدين، حيث يمكن إساءة تفسير الأمور أو إخراجها من سياقها لغرض نشر المعلومات المغلوطة بواسطة خوارزميات منصات التواصل الاجتماعي، ومن المرجح أن يتصدر سوء التعامل أو سوء الإدارة من قبل دولة مضيفة عناوين الصحف بسرعة وربما يقوض نجاحاتها.
إن خلق إرث دائم للبلاد يمكن أن يكون له تأثير طويل المدى على السياحة الدولية والشرعية الجيوسياسية، وسيؤثر بالتأكيد على كيفية رؤية البلاد لنفسها، وأولئك الذين شهدوا عملية التحول مباشرة غالبا ما يحصدون أكثر بكثير من مجرد الفخر الوطني، بل أيضا من الشعور المتجدد بالخيال العام، والثقة في رؤية البلد، والاستعداد لوضع الخلافات جانبا للتضافر من أجل تلك الرؤية. هذا الشعور (بالإضافة إلى التحفيز الاقتصادي وزيادة الأمن) هو أحد العوامل التي قد تفسر الانخفاض قصير الأجل في الجريمة والتخريب الذي شهدته جوهانسبرغ في الفترة التي سبقت كأس العالم 2010 وبعدها [5].
إما أن تكون القوانين والعادات انعكاساً للهوية المتصورة ذاتيا للمجتمع، أو قناة لإجراء تعديلات عليها. ومن خلال استلزام إجراء تعديلات هيكلية لاستيعاب الأحداث الضخمة، فإن استضافة كأس العالم تنطبق على هذه الأخيرة. إن نمو الأمة يعتمد على آلام النمو: فالتحول في النموذج سيخلق بلا شك تغييرا، وبعض المقاومة للتغيير أمر لا مفر منه. عندما تتكامل أهداف أمة ما بشكل جيد مع هويتها والهوية المذكورة بدورها يتردد صداها بقوة لدى شعبها، فإن أولئك الذين يطلب منهم حل وسط، من المرجح أن يكونوا على استعداد لتحقيقها، ويرون هذه المقايضات كاستثمارات من أجل غد أفضل. وكلما زاد عدد الأشخاص الذين يؤمنون ويرون أنفسهم في مثل أعلى معين، كلما كانوا أكثر انخراطا واستثمارا في لعب دورهم، وإحداث تغيير حيث قد يكون التشريع والإنفاذ قاصرين.
وعلى الصعيد الخارجي، تعد استضافة كأس العالم إسقاطا للنفوذ الدولي من خلال القوة الناعمة [6]، وإشارة إلى العالم بأنه يمكن الوثوق ببلد ما لتولي هذه المسؤولية الكبيرة، حيث يكتسب هذا البلد المصداقية، ويرفع من مكانته في أعين العالم. بالإضافة إلى ذلك، فإن حدثا عالميا كهذا يولد فرصا للتعاون الدولي، لا سيما بين الشركاء الإقليميين، مما يوسع ويوطد مجال نفوذ الدولة، ويتراكم هذا في المكاسب التي تتجاوز الحدث نفسه، مثل نقل التكنولوجيا الخضراء، والتعاون الأمني، وبطبيعة الحال الشراكات الدبلوماسية. والأهم من ذلك، عندما تكون دولة ما هي الأولى في منطقتها التي تستضيفها، فإنها تثبت موقفها عبر إنتاج فوائد جماعية لنفسها ولجيرانها، تبدد الفكرة القائلة بأن التقدم يجب أن يكون دائما منافسة محصلتها صفر. وبالتالي، فإن هذا السرد يمهد الطريق لعلاقات أكثر إنتاجية قريبة وبعيدة.
في نهاية المطاف، ينتظر الدولة المستضيفة اختبار أكبر فور إطلاق صافرة النهاية. إن كأس العالم، إذا تم الاستفادة منه بشكل جيد، يمكن أن يكون نعمة لمسار الأمة. لدى معظم الدول المستضيفة طموحات كبيرة لما سيأتي بعد ذلك، وقطر، برؤيتها الوطنية 2030 [7]، ليست استثناءً لذلك.
بقلم:
مدربة مناظرات في مركز مناظرات قطر
في هذا المقال نستكمل معاً استكشاف فن المناظرة والمحاججة في التراث الإسلامي. ...
لم يكن علم المناظرة غريبًا على الثقافة الإسلامية، حيث كانت المناظرة كممارسة عملية حاضرة منذ بدايات ت ...
Climate change has become a natural reality on the planet after the world has historically been expo ...
سنوياً، تُكتب قصصٌ وحكاياتٌ جديدة، ينخرط المتناظرون المرشحون لتمثيل العنابي في بطولة العالم WSDC ضمن ...