Info
AR اللغة AR
Side Menu
هل سيتغير العالم للأفضل بعد أزمة كورونا؟
June 1, 2020 0

كيف سيكون الوضع بعد الانتهاء من هذه الأزمة العالمية؟

 

لقد وضعت أزمة كورونا الصحة في مقدمة القطاعات بهدف القضاء على الفيروس الذي تحوّل إلى كابوس مفزعٍ لمستقبلِ العالم، وبات يهدد الوجود الإنساني، فما هي النظرة المستقبلية في العالم بعد أزمة كورونا؟ لعلّ هذا السؤال أكثر ما يشغل الحكومات والمواطنين في بقاع الأرض المختلفة، فبعدَ كلِّ الإجراءات المتّبعة للتعاطي مع هذه الأزمة، يتوّقع البشر أن تتحّسن آلية التعامل مع أي وباءٍ مفاجىءٍ في المستقبل وتنخفضُ احتمالية تضرر القطاعات بالشكل الذي نشهده اليوم.

ليست هذه المرة الأولى التي يواجه فيها العالم وباءٍ قاتلاً، ففي عام 1350 تعرضت المملكة المتحدة إلى وباءِ الطاعون الذي غيّر الظروف الاقتصادية فيها ، وأعاد النظر في الجوانب الديموغرافية، وكذلك في عام 1520 انهارت إمبراطورية الأزتك بسبب عدوى الجدري ، أما في الماضي القريب عام 1918 فقد ظهرت الأنفلونزا الإسبانية التي قتلت الملايين من البشر، وقد كان هذا كلُّه في عالمٍ يختلفُ عن واقعِ اليوم.

هل سنشهد تغيرًا إيجابيًا ملحوظًا بعد أزمة كورونا ؟

انقسمت الآراء حول هذا الموضوع إلى قسمين بين مؤيداً ومعارض.

الحجج المؤيدة:

سنكون أكثر استعداداً لما هو أسوأ في المستقبل

العالم الذي يواجه وباءً قاتلًا كفيروس كورونا سيتعلّم أن يراجع قراراتهِ حتى لا يسقط في ذاتِ الفخّ المفاجىء. إنّ الانتشار الواسع للوباء يُعزى في كثيرٍ من البلدان إلى التأخر في اتخاذ القرارات بسبب الافتقار إلى وجود خططِ استعدادٍ. وحتى لا تدفع هذه الدول ثمناً باهظًا في تراجع مستوى الاقتصاد العالمي وتهديد الوجود الإنساني مرّة أخرى ، يجب على الدول التحرك لتجعل هذا العالم أقل تضررًا ، وذلك عن طريق دراسة خطط الاستعداد لأي خطرٍ قادمٍ ، وتجنب ما أمكن الضحايا بسبب هذه الأوبئة، والتي تفتكُ بالإنسان، في كثيرٍ من الأحيان، أكثر مما تفعله الحروب. هذا الاهتمام سيوّلد قدرة على تخطي الأزمات بأقل الأضرار الاقتصادية والسياسية وحتى النفسية الممكن حدوثها في المستقبل، وهذا ما يعطي مؤشرًا جيدًا أنّ العالم بعد كورونا سيكون أفضل مما كان.

ليس هذا فحسب، فالاستعداد لمواجهة أي خطر قادم لا يقتصر على دور الحكومات ولا يرتكز فقط على جوانب اقتصادية وصحية وسياسية، بل يتعدى ذلك ليشمل الأفراد. هؤلاء الذين تضرروا نفسيًا جرّاء التحول الجذري  الذي طرأ على حياتهم اليومية  بدءًا من قرار العزل الصحي، التباعد الاجتماعي، الحظر الجزئي  وانتهاءً بالحظر الكلّي، ليحسنّ إمكانية التكيّف مستقبًلا مع أي ظروف قاسية والتعوّد على نمط الحياة المؤقت الذي تفرضه  مثل هذه الأوبئة .

وضع خطط مستقبلية لاختيار أفضل التقنيات

العالم بعد هذه الجائحة سيتوجّه إلى تطوير  تقنيات التعامل مع الفيروسات، فالاستعداد وحده غيرُ كافٍ إذا كانت الدول لا تمتلك تقدم تقني قائم على ضرورة تطوير مناهج التعليم في مجال مكافحة الأوبئة. كمّا أنّ التقنيات التي فشلت في مواجهة هذه الأزمة ستكون ضمن القائمة المستبعدة مستقبلاً ، مما سيّسرع من عملية اختيار التقنية الأنسب.

يُعدُّ التأخر في إيجاد لقاح لفايروس كورونا أكبر دليل على ضرورة مراجعة مستوى العلم الذي وصلنا له والحاجة الملّحة إلى تطوير طرق الكشف عن الأوبئة قبل انتشارها، فعبور الحدود مثلا عبر المطارات والموانىء البحرية سيشهد تطورًا في عملية الرقابة ، كذلك طرق الكشف بآليات جديدة كالصوت والصورة. ولن يقتصر التطور التكنولوجي والتقني على تصنيع أجهزة كشف ومراقبة، بل سيتعدى ذلك إلى تطوير الشبكات الإلكترونية، فالمنازل التي تحوّلت إلى مكان أشبه ببيئة العمل ستحتاج إلى طرق تواصل أسرع إذا ما تأكّد الاستغناء عن بيئات العمل الأصلية لبعض المؤسسات.

 

الحجج المعارضة :

علينا اصلاح ما نحن عليه قبل البدء بالتخطيط للمستقبل

الحديث عن التطور والتقدم والخطط المستقبلية يستدعي وجود وضعٍ مستقرٍ وميزانية كافيةٍ، وهذا من المفترض أن يحدث قبل الغزو البيولوجي لفايروس كورونا. العالم الذي تراجع اقتصادياً وتضررت فيه الأسهم العالميّة وقلّت فيه معدلات الفائدة للبنوك العالمية في أَمّسْ الحاجة إلى خطة تعافي قادرة على  الاستمرار لسنوات، وذلك لتعويض الخسائر المادية والبشرية التي ترتبت جرّاء فقدان عدد كبير من الأيدي العاملة، وذلك قبل أن تُفكر في وضع خطط لمواجهة أي وباء مستقبلي مفاجئ ،  والذي قد يكلّفها أكثر مما تظن. فقد تراجعت حركة الطائرات ، وازدادت قيود السفر التي فُرضت في محاولةٍ لاحتواء فايروس كورونا، وانهارت أسواق المال العالمية ، مما أدى إلى إصابة اقتصاد العالم بالشلل، وحتى يعود الاقتصاد إلى وضعه الطبيعي يستدعي ذلك التعافي من كورونا.

ومن جهةٍ ثانية فإنَ العالم الذي لا يتعامل مع حقيقةٍ أنّ ” الإنسان هو الاقتصاد” لن يتغير للأفضل. وما حدث في دول الاتحاد الأوروبي وبريطانيا من تأخرٍ في احتواءِ الفايروس وانهيار في النظام الاقتصادي هو دليلٌ كافٍ يؤكد على فكرة أن إهمال أرواح البشر من أجلِ مبرراتٍ اقتصادية سيجعل هذه الدول تحت وطأة الركود الاقتصادي مستقبلاً . وما زالت فكرة إنعاش حياة الاقتصاد في ظل هذه الأزمة مطلبًا عالمياً.

لن يتغير أي شيء…

الأفراد الذين قضوا وقتاً طويلاً في عزلة عن المحيط الخارجي، وعن التجمعات اليومية سيكونون أكثر رغبة للعودة إلى حياةٍ تمنحهم مساحة كبيرة من التنقل ، وستتضاعف لديهم الحاجة إلى السفر، فالإنسان بطبعه اجتماعي ومجبولٌ على العيش في جماعات، فلا يمكن الافتراض أنّ الإنسان سيعتاد على حياة العزلة دائمًا في ظلِّ رجوع معطيات الحياة كما كانت عليه في السابق. هذا يعني أنّ المناخ الذي تعافى نسبياً بمجرد التقليل من استخدام وسائل النقل وإغلاق المصانع سيعود ليلاقي حتفه مرة أخرى، والاقتصاد الذي من المفترض أن يطوّر إستراتيجيات وتقنيات جديدة سيعود ليكافح مشاكل المناخ ، ولهذا لا يمكن افتراض أنّ العالم سيكون أفضل بعد هذه الأزمة في ظلِّ وجود كل هذه التحديات.


بقلم: حواء الجرادي – سفيرة مركز مناظرات قطر من المملكة المتحدة
كلمات مفتاحية:

اترك تعليقا

This website uses cookies to ensure you get the best experience on our website. | Privacy Policy