Info
AR اللغة AR
Side Menu
تنفيذ الحِزم الاقتصادية بالنظر إلى الأفراد والمشاريع التنموية
July 15, 2020 0

في ظل أي أزمة اقتصادية، هل يجب التركيز في الإنفاق على المشاريع التنموية أم الإنفاق على القوة البشرية

كلما تطور العالم، يتطور معه الاقتصاد ويزداد تفرّعاً وتعقيداً. و كلّما ازداد تعقيد الاقتصاد كلّما زادت درجة تعقيد الحلول المُقدمة لإنهاء الأزمات الاقتصادية التي تعصف بالدول حيث أصبحت الحزم الاقتصادية التي تنفّذها الحكومات تستلزم مزيداً من التفكير والتدقيق للحُكم على جودتها سواء كانت تلك الحزم تعتمد على التقشّف وخفض الإنفاق على الأفراد والمشاريع التنموية أو على ترشيد الإنفاق والاتجاه لفرض الضرائب.

الإنفاق على المشاريع التنموية

قبل الخوض في النقاش الذي يدور حول جدوى تقليل أو زيادة الإنفاق الحكومي على المشاريع التنموية، يجب أن نسأل سؤالاً مهماً وهو: ما أهمية المشاريع التنموية ؟

مهما تنوّعت أشكال المشاريع و أحجامها، يجب الإقرار بأن الهدف النهائي من تنفيذ الحكومات لهذه المشاريع هو رفع مستوى حياة البشر الذين يعيشون في الدولة وخدمتهم ومنحهم الاستقرار والراحة، وكنتيجة طبيعية لتوفّر هذه المميزات، يحصل هؤلاء على التشجيع الضروري الذي يحفزهم على المساهمة الاقتصادية الفعالة في الدولة.

الحجج المؤيدة للإنفاق على المشاريع التنموية:

لنأخذ مثالاً بسيطاً على هذه الفكرة وهو الإنفاق على شبكات الطرق العملاقة وتطوير البنية التحتية للمواصلات، فإلى جانب الفائدة البسيطة وهي تسهيل تنقّل الناس بين مناطق الدولة تنتج فائدة اقتصادية على المدى الطويل وتتبلوَر هذه الفائدة في تقوية سلسلة الإمداد وزيادة فعاليتها –
{Supply chain {1.

لنقترب أكثر من موضوع هذا النقاش ونحاول طرح نفس السؤال الذي طرحناه في الأعلى على واحد من أهم وأكبر المشاريع في المنطقة، يقول السؤال: ما أهمية تنظيم مونديال 2022 بالنسبة لدولة قطر ؟

بالنسبة لكل الدول التي استضافت بطولات كأس العالم أو أرادت استضافتها فإن الرغبة لم تقتصر على تطوير الرياضة وبناء الملاعب فقط، وقطر مثل تلك الدول.
ستساعد هذه الاستضافة دولة قطر على تعزيز قيمتها كوجهة مميزة للسياحة الرياضية، كما ستساعدها أيضاً على أن تكون مركزاً (Hub) للأحداث العالمية. كما قلنا فإن بطولةً كهذه ليست قائمةً على الملاعب فقط، بل هي قائمة على شبكات الطرق والمواصلات، مترو الأنفاق، البنية التحتية المتطورة، الفنادق والمستشفيات والخدمات العامة ومراكز الأبحاث والأنشطة التجارية التي يتم تنفيذها للحصول على استضافة ناجحة.

 بالتالي، وبالنظر إلى الصورة ككل فإن الاستثمار في هذه المشاريع ينتج عنه عددُ لا يُستهان به من فرص العمل لمن يعيش في هذه الدولة، كما يساعد القوة البشرية فيها على التطور حيث سيدفعها لمحاولة تنمية حصيلتها و قدراتها العلمية بما يتناسب مع النموذج الحديث الذي تريد الدولة أن تصل إليه.
إذاً، بعد التعرف على أهمية المشاريع التنموية الكبيرة بالنسبة للدول، يمكننا القول بأن تعطيل هذه المشاريع أو تقليل الإنفاق عليها يعطل الأهداف المرادة منها على المدى القريب والبعيد.

الحجج المعارضة لاستمرار الإنفاق على المشاريع التنموية:

في الدول التي لا تعتمد بنسبة كبيرة على السكان المحليين أو الشركات المحلية في سوق العمل وتنفيذ المشاريع فإن الفائدة المذكورة أعلاه لن يتم تحقيقها بالشكل المطلوب، حيث أن الجهات المنفّذة لهذه المشاريع تكون في الغالب شركات من خارج الدولة، لذلك فإن حصولها على ثمن تنفيذ المشاريع يسمح للنقد بالتسرّب خارج الدولة بدلاً من إبقائه والمحافظة على تداوله داخل الدولة وبين مؤسساتها أو الشركات الكبرى المملوكة من قبل مواطنيها.

 من المعروف عن هذه الشركات كذلك قلة توظيفها للسكان المحليين حيث أنها تعتمد على جلب اليد العاملة منخفضة الثمن من الخارج لتزيد من هامش ربحها، و بذلك فإنها تُساهم بعدم توظيف الكثير من سكان الدولة، مما يؤدي لزيادة في أعداد الذين لا يحصلون على الوظائف وهذا يضع ضغطاً إضافياً على الموارد المالية للدولة.

لا يمكن إنكار أهمية هذه المشاريع بكل تأكيد، لكن تأخّر قطف ثمارها يعتبر أحد أبرز سلبياتها حيث تتسم هذه المشاريع بطول فترة التنفيذ و تأخر الأرباح والفوائد المطلوبة منها لذلك فإنها لا تعطِ الدعم الطارئ الذي يحتاجه الاقتصاد عند وقوع الأزمات المفاجئة.

 الإنفاق على القوة البشرية

إن وضع (تطبيق السياسات على الأفراد لحلّ الأزمات الاقتصادية ) تحت المجهر، سواء كانت هذه السياسات توالي الإنفاق على الأفراد -كسياسات روزفلت عام 1932- أم تعارضه، سيُظهر عدداً من الأمور التي يجب الوقوف عندها قبل الحكم إيجاباً أو سلباً على هذه السياسات، فبالعودة إلى سياسات روزفلت، سنجد أن النتائج كانت عبارةً عن انتعاشٍ اقتصادي، لكن على الجهة الأخرى سنجد عدداً من السلبيات للسياسات التي ترى بتخفيض الإنفاق على الأفراد عن طريق تقليل الرواتب وإنهاء الخدمات بهدف خفض المصروفات الحكومية.

الحجج المؤيدة لاستمرار الإنفاق على القوة البشرية:

تُعتبرُ سياسيات الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت في ثلاثينيات القرن الماضي مثالاً واضحاً على وجهة النظر القائلة بتوجيه الدعم إلى الأفراد للخروج من الأزمات الاقتصادية، حيث قام في الشهور الثلاثة الأولى من تولّيه الرئاسة عام 1932 بإقرار عدد من التشريعات التي تركّز على دعم العاطلين عن العمل وتوفير الوظائف لهم ودعم المزارعين وتطبيق بعض الإصلاحات الاقتصادية بهدف التقليل من آثار الكساد الذي كان يضرب الولايات المتحدة آنذاك.

إن تنفيذ سياسات مشابهة لهذه السياسات تُظهر أهمية الإنسان والاستثمار فيه حيث أنه يوفر بشكلٍ من الأشكال شعوراً بالأمان الوظيفي لدى الأفراد بالرغم من وقوع الأزمة، وهذا يزرع فيهم حسّ الانتماء والرغبة بتجاوز الأزمة ويدفعهم لتطوير أنفسهم للإنتاج بشكل أفضل مما يساعد على تقليل آثار الأزمة أو تجاوزها.

من الفوائد البارزة للاستمرار بالإنفاق على الأفراد عامةً أثناء الأزمات، بل و اتجاه بعض الحكومات لدفع الرواتب للعاطلين عن العمل كذلك هي التقليل من المشاكل التي قد تواجههم بسبب خسارة الوظيفة تحديداً مثل عدم القدرة على توفير الاحتياجات الأساسية وعدم القدرة على البدأ من جديد أثناء الأزمة الاقتصادية أو بعد الانتهاء منها.

النتيجة النهائية لتنفيذ سياساتٍ مشابهة تتمثّل في استمرار دائرة الإنفاق بين أفراد المجتمع وعدم توقفها، حيث تقول القاعدة الاقتصادية: إن ما تنفقه يعتبر دخلاً لغيرك، وماينفقه غيرك يعتبر دخلاً لك، وهذا يساعد في التخفيف من آثار الأزمات الاقتصادية.

الحجج المعارضة لاستمرار الإنفاق على القوة البشرية:

إن تقليل الإنفاق في هذه الحالة يؤثر سلباً على سمعة الدول التي تنفّذها وخصوصاً إن كانت هذه الدول لا تعتمد بنسبة كبيرة على السكان المحليين في سوق العمل، حيث أن الخبرات والقوة البشرية التي ستفقدها الدولة بعد تطبيق الإجراءات سترى أن قرار العودة مرة أخرى بعد مرور الأزمة يُعدُّ مخاطرةً وخصوصاً في عالمٍ سريع التقلّبات الاقتصادية، وبالتالي خسارة هذه القوة البشرية ستشكل تحدياً اقتصادياً جديداً للدولة.

أما أثناء الأزمات – ولنتحدث عن الأزمة التي شغلت العالم مؤخراً وهي جائحةُ كورونا – فإن أصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة يعتبرون من الفئات الأكثر تضرراً من التراجع الاقتصادي المصاحب للأزمة.

الآن، ومع بدء عودة المياه إلى مجاريها و ظهور بوادر الحياة الطبيعية فإن تعويض الخسارة يصبح هدف أصحاب هذه المشاريع، والتعويض بالنسبة لهؤلاء يعتمد بشكل مباشر على القوة الشرائية للأفراد والتي ستتضرر بدورها إن تمَّ إنهاء خدماتهم أو تقليل رواتبهم وبالتالي سيقلّ إنفاقهم بشكلٍ عام أو لن يعود للشكل الذي كان عليه قبل وقوع الأزمة، و حدوث هذا سيمنع المشاريع المذكورة من تعويض خسارتها، بالتالي وكنتيجة طبيعية سيقوم أصحاب هذه المشاريع بتقليل نفقاتهم عن طريق خفض رواتب موظفيهم أو إنهاء خدماتهم وهذا يدخلنا في نفس الدائرة من جديد، كما سيؤثر كذلك على قدرة هذه المشاريع شراء المواد أو الخدمات من المشاريع الكبرى أو المؤسسات الحكومية كما كانت تفعل في السابق وهذا بالتالي سيقلل من مدخول هذه الجهات مما قد يؤدي بها أيضاً لتقليل إنفاقها العام بنفس الطريقة.


[1] سلسلة الإمداد – Supply chain : الشبكة التي تجمع كل الأفراد، الشركات، الخدمات، التكنولوجيا و المواد الخام لإيصال منتجٍ ما إلى المستخدم النهائي.

تتكون سلسلة الإمداد لعلبة حليب صغيرة على سبيل المثال من: الشركة المنتجة وموظفيها، الأبقار، المزرعة التي يتمُّ شراء أعلاف الأبقار منها، عمال التوصيل، الشركة المصنعة للعبوات البلاستيكية، ، االشركة المصنعة لأدوات التخزين والثلاجات إلخ..


بقلم: لطفي بركة – مدرب مناظرات في مركز مناظرات قطر
كلمات مفتاحية:

اترك تعليقا

This website uses cookies to ensure you get the best experience on our website. | Privacy Policy